نازك الملائكة.. وسيكولوجيا الشعر

ثقافة 2023/03/18
...

  أ.د. قاسم حسين صالح*


تعدّ الشاعرة نازك الملائكة (بغداد 1923 - القاهرة 2007) أول من لفتت انتباه الشعراء العرب إلى الجانب السيكولوجي من الشعر في كتابها (سيكولوجية الشعر ومقالات أخرى) الصادر في القاهرة (1979) الذي ركزت فيه على مسألتين: الأولى، ضرورة أن يوثّق الشاعر صلته باللغة وقوانينها.. وأن يحتويها ليغرف منها بلا انتهاء ليبدع فيها بالصور والأنغام بإيقاع موسيقي، والثانية، تأكيدها أن يتمسك الشاعر بالقافية لأنها جزء مهم من موسيقى الشعر. وترى أن تقفية القصيدة مطلب سيكولوجي ملحّ...لأن القافية، من وجهة نظرها الذكية، تُقَوِّي بصيرة الشاعر، وتفتح له الأبواب المغلقة الغامضة، وتأتيه بالأفكار، وتأخذه إلى مجالات خصبة مفاجئة ومسارات خلابة تموج بالحياة. وتضيف بأن القافية وسيلة أمان واستقرار لمن يقرأ القصيدة، ووجودها يُشعر المتلقي بوجود نظام في ذهن الشاعر.   وتأتي نازك بمثال من قصيدة لنزار قباني تستشهد فيه عن تأثير القافية في شعر النضال والمقاومة:

(إن اغتصاب الأرض لا يُخِيْفُنا، فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور،

    والعطش الطويل لا يخيفنا، فالماء يبقى دائمًا في باطن الصخور).

وفيها ترى ان ترادف القافية يعطي احساسا بأن الشاعر يوقظ في المتلقي ما يعيشه هو من عزيمة قوية في مقاومة المعتدي. وللأسف فإن كثيرين اتهموا نازك مع السياب بأنهما وجها ضربة للشعر العربي بقضائهما على القافية، فيما ترد نازك على ذلك بقولها (إن الشعر الحر هو شعر ذو شطر واحد ليس له طول ثابت، وانما يصح ان يتغير عدد التفعيلات من شطر الى شطر). وتضيف بانه يقوم على وحدة التفعيلة فلا حكم يتمثل في ان تكون التفعيلات في الاشطر متشابهة تمام التشابه من دون النظر الى التفعيلات في كل سطر.. ما يعني أن الشعر الحر فيه قافية أيضا.. لكنه حررها سيكولوجيا من قيد الشعر العمودي ليتمتع الشاعر بفضاء خيال تنطلق فيه انفعالاته ومشاعره من دون حدود.. وسابق الفضل في هذا التحرر للشعر العربي.. لنازك العراقيَّة.


* مؤسس ورئيس الجمعية 

النفسيَّة العراقيَّة