فلسفتي ليستْ أكاديميّة

ثقافة 2023/03/18
...

  حازم رعد 


تعد الاكاديمات بشكلها الحالي سياجاً يحجب الفلسفة عن الناس ويمنعهم من الانتفاع من طريقتها في عملية التفكير، وتناول المسلمات على غير الخضوع لها، كما أنها تعلمهم على هدم اليقينيات الدوغمائية، بينما الاكاديميات والتي لم تدخر ذلك الجهد المرجو منها في الاقتراب من الجمهور الأوسع "عامة الناس" لم تتناول بمشارطها مباشرة الواقع وتحليل الواقع وأحداثه واشكالياته للتوثب على استنتاجات تمثل الحلول والمعالجات لكل ما يختلج فيه. 


يمتد الاتجاة الأكاديمي الفلسفي "الذي يتشبّث بالمناهج الرسميَّة وبروتوكولات المؤسسة" إلى أفلاطون، ولعله هو مجترح هذا الاتجاه حينما أعلن عن افتتاح اكاديميته في اثينا لتعليم الفلسفة وهذه ايضاً كانت من التحولات المهمة في تاريخ الفلسفة، حيث انتقالها من الشعبية مع سقراط إلى النخبوية مع افلاطون.

ثم باتت الفلسفة الاكاديمية مخيبة للامآل في نظر العديد من الفلاسفة، نظراً لانزوائها واعتزالها للحياة العامة وليس آخر هؤلاء الفلاسفة هو ادغار موران، بل هو واحد من المهمين في هذا المجال.

ففي احدى الحوارات التي اجريت مؤخراً مع الفيلسوف الفرنسي ادغار موران بعد ان جاوز عمره الـ 100 عام أكد كثيراً على أفكار مترابطة منها مسألة التعقيد في الفكر ولا يقينية الافكار وكان من بين الافكار المهمة التي أدلى بها أن فلسفته ليست أكاديميَّة كما كتبنا ذلك أعلاه عنواناً لمقالتنا، وذلك يعني أنها غير خاضعة لمقاييس المؤسسات الرسميَّة التي تحاصر الأفكار بمناهج وقوانين تحد من نمو الفكرة وتقلل من تمددها في الواقع الاجتماعي وتعرضها للاسر الاكاديمي المعلوم للجميع بصرامته المنهجية وتقعده على تأسيسات لا تخرج عن ربقة ما تقره السلطة او يسير وفق انساق تستجيب لفعل السلطة وللفواعل المهيمنة. قد يكون يقصد من هذا المقول أن فلسفته لا تخضع للمنهجية الاكاديمية العلمية، وقد يؤول ذلك بأن بناءاتها ليست موضوعية ولا تجري عليها المقاييس العلمية المعلومة في كل الاكاديميات، ولعل ما يبرر ذلك هو تعرض الكثير من متبنياته الفكرية للانتقاد والجلبة النقدية، إذ النقاد يتوثبون على الاسس العلمية كواحدة من الادوات التي من خلالها يباشرون البحث العلمي والتعرض للنصوص والفكر للمراجعات النقدية.  وقد يكون يقصد من وراء قولته هذه انه لا يخضع الفلسفة لأسر أسيجة الاكاديميات التي أبعدتها كثيراً عن المجتمع وجعلتها في عزلة شبه تامة عن اهتمامات وهموم ومعاناة الانسان في كل الوحدات الاجتماعية، مما يتمخض عن ذلك بروز طبقتين متقابلتين الأولى منعزلة في بروجها ومنكفئة على اهتمامات لا تعدو كونها مقتصرة على أداء الدرس في الاكاديميات والاهتمام للجودة والرصانة العلمية والبحث عن الامتيازات المادية. 

وبالمقابل طبقة عامة الناس وهم المجتمع الذي بحاجة دوما إلى شحن ذهنيته بالأفكار ومده بالمفردات والمفاهيم التي من خلالها يعالج الواقع ويباشر العمل والممارسة في مختلف المستويات الوظيفية والاجتماعية. 

وهذا الرأي هو الاقرب لتبرير هذا القول لادغار موران، إذ هو في كتاباته يهتم كثيراً للانسان بشكل عام فتجد في مختلف مصنفاته يعرض لمشكلات المعرفة والبيئة والصراعات وينظر لتعزيز قيمة السلام الداخلي الداخلي للإنسان ومفاهيم من هذا القبيل، وهو في هذا المسعى يركز اعتماده على البيان الشخصي بدل التموقع على المنهج الموضوعي الأكاديمي ويهتم لموضوعات محط اهتمام الناس مع حفاظه على اللغة الفلسفية؛ لان ذلك الاقرب الى فاهمة الجمهور، وكذلك أن أسلوب البيان الشخصي مطلوب لتناول موضوعات ذات الاهتمام المشترك والتي هي من صلب حاجات الواقع ومتطلباته عكس الأكاديمية المنكفئة 

على المنهاج التخصصي الموجه لنخبة من الناس ولا يعير اهتماماً للمجتمع ومشكلاته واهتماماته.