شغف القراءة

ثقافة 2023/03/18
...

 حبيب السامر


تجذبنا العنوانات البراقة والخاطفة وهي منتشرة على مناضد وأرفف متنوعة بنسق جمالي بحسب المهارة والحس التسويقي لصاحب دار النشر، كي يلفت أنظار الناس المتجولين بين أروقة المساحات المفروشة تحت مسقفات وواجهات تدلنا على أسماء بعض الكتّاب المهمين والجهات المشاركة في معارض الكتاب.

تذكرت قول جون كيج الذي كتبه عام 1937 "في أي مكان نكون فيه فإنّ ما نسمعه في الغالب هو الضجيج، يزعجنا عندما نتجاهله، ويطربنا حينما نصغي إليه" إلى هنا وحركة المتنقلين بين الجموع التي جاءت بفعل شغف القراءة، أو حضور حفل توقيع لكاتب يتابعه بعض المعجبين بهذه اللحظة الموثقة من موبايلاتهم بتخاطف الفلاشات المتعاقبة، لتحفل بها مواقع التواصل الاجتماعي والأرشيف الشخصي.

يتنوع البرنامج الترويجي خلال أيام المعرض بين قراءات ومداخلات فكرية، وقراءات شعرية محلية وعربية، ومشاركات فنية، فضلا عن تعزيز أواصر اللقاءات وتبادل الاصدارات بين الحاضرين، إذ تقف في مقدمة المحاسن المترشحة من هذا الفعل الثقافي ومن المبادرات الأخرى هو استمرارية جريان نهر الثقافة وتدفق المعرفة بغية تأكيد الجوانب المشرقة للكتاب، من خلال الانغماس في متابعة الجديد والحصول على توقيع الشخصية الراسخة في ذهنية المتلقي، كي يعانق الكتاب أرفف مكتبته بعد أن ينتهي من قراءته، وهذا يظهر في تعزيز وعي الثقافة بمختلف روافدها وكسر الأنماط التي يتبناها الكتّاب في ما بينهم بتبادل إصدارتهم المجانية، واللجوء إلى منضدة التوقيع لإشهار المنجز الجديد بين الحاضرين وسط مباركات وتبادل كلمات العرفان في طقس حميمي يعزز وجود الكاتب بين معجبيه وجمهوره وتوثيق الصلة بينهم، من هنا يتضح بأن شريحة مهمة تعشق الكتاب الورقي، وتحرص على ملامسة الورق وتصفحه، وهي تتواجد بكثافة لتتابع حركة برنامج المعرض وتجهد على استمرارية الحضور بين أروقته، ولو عدنا قليلا إلى ذاكرتنا لنتفحص باكورة المعارض نجد ضمن المدونات بأن أول من بادر في الإقامة والانطلاقة كان النادي الثقافي العربي في بيروت عام 1956، والذي يعد الرائد في هذا المجال، ثم توالت المعارض حتى أصبحت في برنامج مستمر يعقد كل شهر في مدينة وتوسع أكثر ليشتمل على محافظات ضمن دول عدة.

قد يجد المتابع العديد من الجوانب الأخرى التي تقف في منطقة تصاعد أسعار الكتاب، أو نمو بعض الأسماء التي تقحم نفسها في طباعة كتاب من دون تكامل تجربتها، متخذين من سهولة النشر وتعدد منافذ الطباعة واعتماد بعضها، أكرر – بعضها - الربح المادي قبل أهمية المنجز وهذا مما خلق عزوف بعض المتابعين لحركة النشر، وهذه الظاهرة تحتاج وقفة تأمل ومعالجة والخروج منها بوصايا تسعى إلى ترصين الواقع الكتبي، في المقابل يتهافت آخرون على اقتناء الاصدار المحكم والتوق إلى معانقة توقيع كاتبه، كونه يمثل ظاهرة حياتية نسعى من خلالها إلى رصد واقعة الأعمال المتنوعة التي تشيع الحياة وتعمل على نمو حركة الجمال وعلاقتها المؤثرة في بناء المجتمع، وكشفها عن جديد الاصدارات من الكتب والدوريات المهمة بمختلف اختصاصاتها وأنواعها الأدبية والعلمية والتنموية والأكاديمية ومجالات أخرى، فضلاً عن لقاء دور النشر في هذا المحفل الثقافي والكتبي المهم وعمل فعاليات ترويجية ينظمها القائمون على برنامج المعرض للتنسيق مع كبار المؤلفين والكتّاب المعروفين لتنظيم حفلات توقيع كتبهم والسعي إلى فتح حوارات مباشرة مع جمهورهم.