باسم عبد الحميد جمودي
تتميز دراسات الباحث نبيل عبد الأمير الربيعي المتعددة في تاريخية الطوائف العراقية بالقدرة على الأحاطة بأصول البحث العلمي وموضوعية التأليف، فضلا عن التنوع وتتبع الاصول التاريخية لكل طائفة ومكان.
ومن كتب الباحث الربيعي قبل كتابه الحديث هذا، كتبه السابقة في تاريخ يهود العراق من الأسر البابلي حتى التهجير القسري2012، ثم كتابه بجزأين عن تاريخ يهود العراق2016، والبابية والبهائية في العراق2020، والشبك، أصلهم لغتهم وعقائدهم، فضلاً عن نحو الثلاثين دراسة عن مدينة الديوانية تاريخيا والانتفاضة الشعبانية فيها ودراسات عديدة اخرى تتميز بالرصانة والاهتمام بالتاريخ النضالي لهذه المدينة.
عنوان الكتاب الكامل هو(تاريخ الصابئة المندائيين في العراق – أصولهم ومعتقداتهم وأعلامهم) ويقع في طبعته الثانية الموسعة في 396 صفحة تجمع فصول الكتاب الذي درس تجارب التأليف السابقة عن هذه الديانة مؤلفة عراقيا ومترجمة ليضيف اليها الكثير من التفاصيل.
وتعد ديانة المندائيين من أقدم الديانات الروحية في العراق والعالم، ومن تسمياتهم: الكوشطيون بمعنى أهل العهد والحق، وقد جاء اسمهم أيضا من (مندى) أي العارفون بوجود الحي العظيم أي الموحدون، وكذلك بـ (الناصورائيين ) وهي تسمية قديمة تعني (العارفون بأسرار الحياة) وكذلك: الصابئة أي المصطبغون المتعمدون باسم الرب، لهم تسميات قديمة أخرى مثل (شلماني) وأبنيانهورا وتعني (أبناء النور).
أول بحث اهتم بديانة الصابئة صدر في السويد عام 1691، وعنوانه (مندائيا والصابئة الأقدمين) لعبد الحميد عبادة، ويقول الربيعي إن "هذا البحث قد طبع في مطبعة الفرات ببغداد عام 1927 وهو ملخص حوار مطول اجراه عبادة مع رئيس الطائفة في العراق الشيخ كنزبرا دخيل بن عبدان في مدينة الناصرية".
ويقول الربيعي نقلا عن رشيد الخيون أن عبادة قد أخذ نصوصا كاملة من بحث للدمشقي نقولا سيوفي نشرها في مجلة (البيان ) واستفاد منها بعد ذلك الأب الكرملي وعبد الرزاق الحسني وسواهما.
ويتابع الربيعي بصبر طرق وأساليب الحذف والأضافة في كتب الحسني وسيوفي وعبادة ودراور وسواهم.
الكتاب الذي نحاوره يضم أربعة عشر فصلا، ركز المؤلف فيه في الفصل الأول على صورة تاريخية مختصرة للطائفة، فيما أهتم الفصل الثاني بأصول الصابئة ولغتهم وممارسات الاضطهاد ضدهم مما سبب نزوح عدد كبير منهم خارج وطنهم.
وفي هذا الفصل يثير المؤلف أسئلة عن الديانة الأولى لرابعة العدوية وديانة الصحابي سلمان الفارسي الأولى، متحولا إلى تسجيل مهن الصابئة الأساسية في صناعة الزوارق وصناعة الحلي الفضية والمينا خاصة أضافة الى زراعة البساتين ورعايتها.
في الفصل الثالث درس الربيعي كتب الصابئة الدينية المتنوعة ومعتقداتهم في عوالم النور والظلام والاحراز الطلسمية.
ويؤكد المؤلف ايمان الصابئة بالله الواحد وباسمائه المقدسة وتحذير كتاب الصابئة المقدس (الكنزا ربا) من عبادة الشيطان وفي الوقت ذاته تكون الارواح وسيلة للابتهال للذات العليا.
خصص الربيعي الفصل الرابع للحديث عن الحياة العامة للصابئي وسط مجتمعه وطرق الوضوء (الرشامة) الصلاة والصيام والطبخ وموقف المندائي من السحر والفلك والتنجيم الذي يرفض التعامل بهما، رغم أن الكثير من المندائيين كانوا قريبين من السحر والتنجيم.
في ذات الفصل يوصف المؤلف طريقة ذبح الاضاحي لدى المندائي عند النهر والماء الجاري وضرورة اختيار الذكر للأطعام بالنسبة للدجاج وسواه مع اختلاف طريقة ذبح الاضاحي لعلماء الدين.
في الفصول التالية يتابع المؤلف بتفصيل مهم معتقدات الصابئة بالكواكب وخلق العالم وحساب الكواكب، مع طريقة اختيار رجل الدين لاسم المولود الجديد الفلكي (الملواشة)، يدرس طقوس أعيادهم وانواع هذه الأعياد وتاريخيتها وطقوس التعميد والتشكيلات القيادية الدينية للمندائيين.
ويتابع المؤلف معتقدات الصابئة في الحياة الاخرة والمعاد.
ومما يميز هذا الكتاب متابعته الدقيقة للعادات والتقاليد الاجتماعية لدى الصابئة واختلاف السلوك الاجتماعي لدى الأجيال الجديدة التي اتصلت بالعالم الجديد واكتسبت عادات جديدة تقترب فيها من العالم الجديد في الطعام والشراب والسلوك الاجتماعي غير المنغلق خصوصا بعد الهجرات الكبيرة التي قامت بها اعداد وفيرة من هذه الطائفة الى دول اوروبا واستراليا والاميركيتين، وهو أمر ساعد المجتمع الخارجي على الدخول إلى العالم المندائي المنغلق على مجتمعه، في وقت حرصت فيه التجمعات الثقافية المندائية المستنيرة على انشاء الجمعيات الثقافية الخاصة بالطائفة في شتى البلدان واصدار مطبوعات خاصة تساعد على الربط الثقافي- الاجتماعي بين الصابئة وهم في مستوطناتهم الجديدة في أرجاء العالم.
ويعد كتاب الباحث الربيعي عن (تاريخ الصابئة المندائيين) أحدث موسوعة عن هذه الديانة أعرافا وايمانا وسلوكا وتحولات جديدة طرأت بسبب التحولات الديموغرافية الجديدة وتطورات الفكر العام لشباب الطائفة وهم يعيشون عالمهم الجديد.