علي عبد الجليل.. التعبيريَّة وإثارة الشجن

ثقافة 2023/03/20
...

 خضير الزيدي 


يحسب للفنان علي عبد الجليل إنَّه بقيَ محافظاً على أسلوبه التعبيري منذ انطلاقته نهاية الثمانينات، وقدم للمتلقي خطاباً جماليَّاً يثير فينا الشجن، لأنَّ ما يترسّخ تعبيراً داخل لوحته يستوحى من خيال وواقع لم يزل مؤلماً فقد رأينا حشوداً من الناس تتجمهر وتتظاهر متوحّدين على خطاب وإصرار بمناهضة كل ما من شأنه أن يبقى غريباً ومأساوياً أمامنا. 

وقد وفرت تلك المشاهد طابعا إشارياً ورمزيا كرّسه الفنان ليعلن احتجاجه على الواقع وأجد أن طريقته في الرسم توزعت بين أمرين الأول إشاري له نزعة احتاج قائمة في انفسنا، وثانيا بدا لنا أنه يقيم حواراً مع الاخر بوصفه جزءا من المشكلة التي تقبل الخسارة من دون أن تفقد هويتها هذا التوجه في رسم مظاهر القهر والاستبداد والتأكيد على خسائر متعددة إنما يبرز لنا وفق مرجعية فن (يشير ويستدعي ويثبت) حدود مشروعية الخوف من المجهول واحتمال وقوع ما يشتد فيه اليأس من بقائنا في الأرض من دون جدوى.

عرض علي عبد الجليل في أكثر من بلد غير العراق وكان هاجسه أن يبقى فنه تعبيريا ملتزما بقضية المعنى الذي تشير إليه أعماله مع الاحتفاظ بطريقته الفنية حيث الأسلوب والبناء المتزن وفي كل مرة يحاول أن يستثمر القصة والحكاية فنياً.

لكي يجعل المتلقي مشتركا في ما تذهب إليه رؤيته من قضية يراد لها التذكير والترسيخ فهو ميال ان يبحث عن سبب ليرينا كيف ننتمي إلى لوحته وكأنها ظل يرافقنا ويعنينا طالما يوظف كل حكاياته من البيئة العراقيَّة. 

وأعتقد أنَّ هذا التمسك بالمكان وجعله قضية جمالية وفنية يقف بموازاة فكرة الانتماء للأرض وللحدث الذي يصيبنا وما يميز خوض عبد الجليل في هذه المنطقة من الاشتغال الفني أنه يبين حقائق الشعور واتجاه وجدانه حيال عقائده ورؤيته فضلا عن حراكه 

ثقافيَّاً.

لقد حبَّبَ إلينا ما تنشده الذاكرة الشعبيَّة وأوجد علاقة بين الطفولة ودور الإنسان في مراحل متقدمة وانغمر سطح لوحاته بإنجاز فني ذات طاقة حيَّة فلم تكن الرؤية مشوشة او ملتبسة كانت مظاهر لوحاته تفي بالغرض لأنّه قادم من بيئة تضج بإيقاعات الألم والخيبة والغواية. 

مرجعيته وفق هذا التوصيف هي الحياة ويوميات البيئة العراقية.

انطلاقته من ترانيم ذات شجن في لوحاته التعبيريّة المليئة بالتشخيص أحرزت متعة بصريَّة ورؤية عاطفة تتلبسنا كلما نظرنا إلى جديده فهو يأخذ أعلى ممكنات الشكل الفني لندرك وفق تصوره مرحلة تاريخيَّة لها فهمها وثوابتها، يحدث كل ذلك بمزيد من المصداقية مع وعي يدرك قيمة أن يكون المدلول معنيَّاً بنا ليس كمتلقين بل كمساهمين بنتائج ووقائع يومياتنا.  

هل العالم موضوعه الأثير؟ 

هناك أكثر من هدف يتبناه علي عبد الجليل في عالم الرسم يبدأ من غايته الجماليَّة ولا ينتهي عند حدٍّ من التعبيريَّة التي تنطوي على أدق تفاصيل الأسئلة الوجوديَّة وهنا سيكون للتأمل وللوعي تطلع في رصد أقسى اللحظات التي نحياها بألم وموت بطيء.

هذا الفنان حينما يُرينا لوحاته وهي مليئة بحشود من النساء التي تبدو فرضية الوجع قائمة في كلِّ مفصل منها سننفض عن عيوننا ذرات التراب والغشاوة لنبصر عمليات البناء الفني ونتأمل صوره وما يتوثق فيها من إصغاء للتاريخ، خيال إمساكه بنمط من التكوين الفني للشكل الواحد وفر للمتلقي أن يعرف وجهة هذا الفنان وكيف يفكر وما دوافع وأسباب هذا المرتكز البنائي الموحد؟.  

وأعتقد أنّه يقدم مشروعاً له الدهشة نفسها لانه يحمل ذات المفارقة في تعظيم وبلورة مشاعرنا اتجاه فطرته الفنية ومنظومة اشتغاله من جهة ثانية فهو لا يجد احراجاً أن يبقى رهين طريقة مليئة بمخيال شعبي طالما غايته أن يوفق بين رؤيته وحاجة المتلقي لمشاهدة أعمال فنيَّة تحمل حمولات عاطفيَّة او دلالة جماليَّة كل ما يوده هذا الفنان اعادة الثقة بالفن، وهو يسهم في تحريرنا من قيود وتبعيات الآخر ويجلب النضارة  لنا.