سبيلبيرغ يعرض قصته الخاصة في فيلمه الأخير

ثقافة 2023/03/20
...

  بوب مونديللو 

  ترجمة: مي اسماعيل 


قال المخرج ستيفن سبيلبيرغ للجمهور وهو يتسلم جائزة الإخراج عن فيلم "آل فيبلمان" في حفل جوائز الغولدن غلوب هذا العام: "كنتُ أتهرب من هذه القصة مذ كنت في السابعة عشرة"، كان سبيلبيرغ يختبئ من القصة أمام أنظار الجميع، إذ لم يتوقف عن تقديم الأفلام منذ سنين، منها أفلام طبعت حقبتها ونوعها مثل "الفك المفترس" و"جوراسيك وورلد" و"انديانا جونز" و"لائحة شيندلر" و"انقاذ الجندي رايان" و"لينكولن". 


لكنه محق بالقول إن "آل فيبلمان" فيلم مختلف، فهو نسخة خيالية محرفة، قليلاً عن حياة صانع الفيلم، دون ديناصورات أو أسماك قرش أو شخصيات تاريخية ليختبئ وراءها. وتابع سبيلبيرغ قائلاً: "لقد رويت هذه القصة في أجزاء طوال مسيرتي المهنية، و"إي تي"  كانت له علاقة كبيرة بهذه القصة، وكذلك "لقاءات قريبة من النوع الثالث". والآن، متسلحين بـ "آل فيبلمان" كمفتاح لفك رموز أفلامه الأخرى، قد يسهل على الجمهور استخلاص ما يقصده.


قصص وراء القصة

يبدأ الفيلم بتمثيل درامي لقصة أخبرها سبيلبيرغ للمحاورين طيلة سنوات، حول أول مرة أخذه والداه لمشاهدة فيلم. كان فيلم "أعظم استعراض على الأرض" للمخرج "سيسيل ب. دي ميل" (1952) عن قصة سيرك، لكن أشهر مشهد فيه هو حادث قطار أرعب ستيفي الصغير (شخصية "سامي" في الفيلم). يعود سامي مأخوذاً بالفيلم، ويطلب نموذجاً صغيراً لقطار في العيد. بدأ سامي يمثل تصادم القطار بلعبته لخيبة أمل والده، لكن والدته تدرك أنه يحاول تجاوز خوفه. قالت له: "سنصور التصادم بكاميرا والدك، فاصدم القطار مرة واحدة، ليمكنك مشاهدته مراراً، ولن يعود مخيفاً". يصعب (بعد هذا السياق) أن نتجاهل تسلسل القطار المثير للذكريات في أفلام سبيلبيرغ، من "انديانا جونز" إلى "لائحة شيندلر". ومتى دخلنا مسار "أصل القصة"، سنرى خطوطاً موازية في مشاهد أخرى.

أسر متصدعة

بينما يبدأ سامي بصناعة الأفلام وهو يلعب مع أشقائه، نرى أيضاً "أليوت" وإخوته وهم يتعرفون على ضيفهم من الفضاء في فيلم "إي تي E.T". ولو تقبلنا (كنوع من السيرة الذاتية) مشهد الأم التي تسحب أطفالها وتتجه مباشرة نحو إعصار، سنعرف من أين جاء إلهام مشهد "ريتشارد درايفوس" الذي يتجه بالسيارة نحو الأطباق الفضائية المجهولة في "لقاءات قريبة من النوع الثالث". لكن الأم والطفل اللذين يصطحبهما درايفوس ليسا أسرته، بل عابرا سبيل. ما يُذكرنا أن والدي سبيلبيرغ انفصلا خلال سني مراهقته. فيلماً بعد فيلم ظهرت الأم الوحيدة وأطفال لا يصاحبهم والداهم. وفي فيلم "امبراطورية الشمس" فرضت الحرب تفريق صبيٍ عن أسرته، انها أسرٌ متصدعة.. قال سبيلبيرغ إن علاقته بوالده كانت متباعدة، الذي كان يلومه على الطلاق، رغم أن والدته هي التي رحلت. تصالح مع والده لاحقاً، وكانت صورة الأب في فيلم "آل فيبلمان" كريمة ومتعاطفة. ولكن أليس ممكناً أن هذا ما جذب المخرج إلى قصة "أمسك بي اذا استطعت"، حيث والد الشاب المحتال الذي هجرته زوجته وتزوجت صديقه؟ وقد يكون هذا السبب وراء أن "توم كروز" يقضي فيلم "حرب العوالم" مراوغاً الكائنات الفضائية مع طفلين يحاول إعادتهما إلى والدتهما؟  


حروب ومخاوف وإيجاد السلام

كانت الحروب الواقعية نقطة بداية سبيلبيرغ، فبعد سماع رفاق والده في الجيش يتحدثون عن تجربة الحرب العالمية الثانية ومشاهدة أفلام الحرب في التلفزيون، وظف الفتى ذو الخمسة عشر عاماً فريق الكشافة ليصور فيلماً ملحمياً عن ساحة المعركة بعنوان: "الفرار إلى لا مكان". وفي فيلم "آل فيبلمان" أعاد سامي خلق فيلم الحرب ذاك، محاكياً زوايا الكاميرا والمؤثرات البسيطة، ولعلها كانت البذرة لنصف الساعة الأولى من "إنقاذ الجندي رايان". بعد فيلم الكشافة، يسأل أحد الآباء سامي: "اعتقد أنك بنيت على قصص والدك في الحرب.. أليس كذلك؟". ويجيب سامي: "نوعاً ما."

من المثير للاهتمام أن كل تلك اللحظات المفصلة في "آل فيبلمان" يمكن ربطها بوضوح مع أفلام سبيلبيرغ، وهو مخرج أتهِم دائماً بأن لديه عقدة "بيتر بان"، وقد أخرج فيلماً عنه بعنوان "هوك". قال سبيلبيرغ: إن أفلامه حفلت دائماً بالحكايات الشخصية التي يمكن لعلماء النفس أن يتصيدوها إذا أرادوا. مثل شجرة خارج نافذة غرفة نومه لطالما أخافته عندما كان طفلاً صغيراً: "بدت مثل أذرع وأصابع طويلة ذات مخالب. وحين كتبت فيلم "أرواح شريرة-Poltergeist"، قدمت شجرة خارج النافذة تدب فيها الحياة لتسحب طفلاً إلى مخالبها". يقول الرجل الذي قدم "الفك المفترس" وأسقط أنديانا جونز في حفرة الأفاعي: "كنت أخاف الظلام والأماكن الصغيرة، وما زلت.. كنت طفلاً يخاف كثيراً".


أكثر من صورة عاطفية

قبل عقود من الزمن، قال المخرج الايطالي "فريديركو فيلليني" (الذي ركّز شخصية فيلمه "ثمانية ونصف" على مخرج مثله): "كل الفنون هي سير ذاتية، واللؤلؤة هي السيرة الذاتية للمحارة". بعد بضع سنوات قدم فيلليني لؤلؤة أخرى "أماركورد- Amarcord" عن ذكريات صباه، وهذا وضعه مع صحبة طيبة لآخرين فعلوا بالمثل: الفرنسي "فرانسوا تروفو" وفيلم "400 ضربة"، والأميركي "سبايك لي" بفيلم "كروكلين"، والمكسيكي "ألفونسو كوارون" بفيلم "روما" والأميركية "غريتا غيرفيك" بفيلم "ليدي بيرد".

لكن سبيلبيرغ، الذي جعلته أعماله أشهر صانع أفلام بلا منازع، وتفوقت أرباحها على غيره من المخرجين، جعل من فيلم "آل فيبلمان" أكثر من مجرد صورة ذاتية عاطفية. لقد أعطى لمشاهديه لمحة عن طفولة صانع أفلام بوصفه صانعاً للأفلام، وطرحاً متفوقاً عن كيفية تأثير القلب على الفن.

موقع "أن بي آر" الأميركي