الفنان علي شاكر النعمة وبياض المعنى

منصة 2023/03/20
...

  رعد كريم عزيز


في الربع الأول من تسعينات القرن الماضي بدأت مشاركات الفنان علي شاكر النعمة، خطوتان ترافقتا في مسيرته هما الدرس الأكاديمي (دكتوراه فلسفة الفن الحديث) والتجريب في أكثر من منطقة، إذ ينشط في الآونة الأخيرة في تحولات الفن التجريدي بكل حداثته، مستفيداً من امتلاكه حساسيَّة اللون وكثافته، وحركة الخطوط العريضة داخل مساحة اللوحة. 

وأتاح عمق اللون وتجانسه نقل الحساسيَّة الانفعاليَّة العالية حتى أنّك تشعر أنَّ الفنان أنجز لوحته للتو وبسرعة انفعاليَّة لا تحتمل التأجيل.

وينحاز الفنان علي شاكر النعمة إلى اللون الأبيض ليضع من خلاله نهاية لحركة خطوطه على السطح الأخير للوحة، وتتجه خطوط لوحته من الخارج إلى الداخل لتذهب نحو بؤرة مركزية تحتمل التأويل الذي يصل أحيانا من خلال مصغرات داخل مساحة اللوحة، ولا يمكن أن تكون لوحته جداراً رسمت عليه يد مجهولة الهوية، أو سطح تعرض لتعرية ما، بل إنَّ هناك قصديّة وأحكاماً لخطوط وتعرجات تقترب في شكلها الخارجي من الجسد البشري في تعبيره عن المحاولة للاختباء أو اللجوء الى الظل بحثا عن لحظة تأمل.

 وحتى لو اعتمد على الألوان الداكنة وسط اللوحة كسطح خارجي بارز، فان هذه الكتلة اللونية الداكنة تأتي مسورة ببياض المحيط في الخارجي لتكوين اللوحة. 

وإذا افترضنا رصف أكثر من لوحة في إطار واحد فإنّنا نشعر بوجود سلسلة متصلة لأكثر من انفعال في تصاعد هارموني لا يخرج عن إحاطة الفنان باشتغاله الذي يسعى لخلق بصمة تعبيريَّة من خلال التجريد وهي مهمة صعبة، تحتاج الى بصيرة فنية تستعين بفهم وادراك الانفعال داخل اللوحة بسياق مدروس حتى لا تذهب بعض من مساحات اللوحة الى خارج التأمل الحر في قطعة فنية تكسب عين المشاهد.

ولعل انضمام الفنان علي شاكر النعمة إلى منطقة التجريد يضيف لهذه المدرسة التي سعى إليها الكثير من الفنانين في أكثر من قاعة عرض وتشكيل تجارب منوعة في هذا الاتجاه، حيث برزت بعض التجارب باستخدام الاشكال الهندسية أو دمج اكثر شكل هندسي، فضلاً اللمسات الحرة المضافة، والبعض الآخر يجنح نحو تكوين الأشكال التعبيرية على حساب اللون، وهذه الاضافة تتمثل في الاتكاء على اللون وعمق تأثيره، في استخدام فرشاة عريضة وبنهايات مفتوحة لانفعال سريع، يجعل لوحته مميزة في انفعالها دون ان يفرط بالعلاقة بينه وبين المتلقي البصري النخبوي للفن التشكيلي العراقي وهو يخوض مغامرة التجريد بكل تحدياتها الراهنة. وهذا الرهان الصعب في خضم مشهد تشكيلي عراقي يحفل بالأسماء الكثيرة يشكل مسعى جديا للفنان علي شاكر النعمة في حجز جدار للوحاته التي يجهد في ان تكون بصمته الخاصة التي تشير اليه.

ومن الملاحظ أن مساهمات الفنان علي شاكر النعمة يغلب عليها العروض الخارجية في إيطاليا والجزائر ودبي وبيروت والسعودية، واغلب مساهماته المحلية في المعارض المشتركة داخل العراق.

وتبقى المكابدات الفنية لعلي شاكر النعمة اضافة للفن الحلي المتنوع والراسخ في خريطة الفن العراقي في مسيرته المتنوعة.