عادات رمضان ترسخ القيم وترعى الفقراء

ريبورتاج 2023/03/22
...

  محمد عجيل 

  تصوير: خضير العتابي 


قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد في سورة البقرة (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، من هنا تأتي أفضلية هذا الشهر الكريم على بقية أشهر السنة، ففيه بعث الله تعالى رسوله محمد بن عبد الله (ص)، كي يخرج الأمة من الظلمات إلى النور وتبدأ صفحة إنسانية جديدة، مبنية على العدل والمساواة وإصلاح المفاسد التي خلقتها عصور الجاهلية.


وفرض الله تعالى على عباده الصيام في هذا الشهر، من استطاع منهم الى ذلك سبيلاً وهو واحد من أهم الدروس والعبر التي تحمل القيم الأخلاقية التي أراد الله تعالى أن تسير عليها الإنسانية .

والصيام في حد ذاته ليس امتناعاً عن الشرب والطعام، بل هو مغادرة المعصيات وترسيخ مصطلحات الرحمة والمغفرة وتوحيد الرؤى، التي من شأنها النهوض بواقع المجتمع في كل المجالات الحياتية .


وحدة الأمة 

يقول الباحث في التراث الإسلامي محمد هادي:  "إن وحدة الأمة تتجسد في شهر رمضان، وهي المناسبة التي لا يمكن الاختلاف عليها بين المذاهب الإسلامية بمختلف مسمياتها، ففيه تجتمع الأسر الكريمة على موائد إفطار واحدة ومن ثم تردم الهوة بين أفرادها، وتتقارب المسافات البعيدة وتعاد صياغة أفكار من شأنها أن ترتقي بالفرد الذي يعد عماد المجتمع"، مؤكداً أن شهر رمضان جعله الله تعالى فرصة لاستعادة سمو النفس وبناء المنظومة المجتمعية، كما أنه رسالة واضحة المعالم توضح أهمية أن ينظر الإنسان إلى كيفية خلقه ويستعيد الثقة بالله تعالى، ولهذا كان العرب في القرون الماضية ينتظرون هذا الشهر كي يصلحوا مفاسدهم، ويستعيدوا وحدتهم ويصححوا أخطاءهم، وأعتقد أنه من الضروري جداً أن يتعلم النشء الجديد ضرورة الالتزام، بمعايير شهر رمضان من احترام الوالدين والجيران والقانون والمعلم، وإعطاء الفقير حقه ومساعدة المحتاج ومحاربة الفساد والابتعاد عن المعاصي مثل شرب الخمور وتناول المخدرات التي أفرغت المجتمع العراقي من قيمه السامية .

ويبين الشيخ جبار المنصوري في حديثه أن شهر رمضان هو رحمة لأن أحد دروس الصيام هو شعور الغني بمعاناة الفقير، في المأكل والملبس والسكن وتابع قائلاً: "إن حياة المجتمع تحتاج إلى تغييرات كبيرة تبدأ من الفرد مروراً بالأسرة، وهنا نؤكد دور المدرسة في إعطاء درس التربية الإسلامية، أهمية خاصة كي يأخذ المعلم دوره في شرح أبعاد شهر رمضان الكريم، مع ضرورة عدم التركيز على الامتناع عن المشرب والمأكل في الصيام فقط بقدر التركيز على تهذيب النفس، ضد كل ما يعكر استقرار المجتمع وأمنه ووحدته". 

وخاطب الشيخ المنصوري أولياء الأمور بأهمية النظر إلى استقرار الأسرة واستخدام أفضل وسائل الإدارة في معالجة أخطاء أفرادها، واستغلال هذا الشهر في زيادة التوجيه الذي من شأنه أن يحصن الأفراد .


   دور واضح 

"تلعب الجهات ذات العلاقة دوراً واضحاً في تطبيق القيم الرمضانية، بالشكل الذي يخدم المجتمع في مختلف مؤسساتها، وخاصة في دور المسنين والأيتام، إذ تشهد هذه الأماكن اهتماماً واضحاً بالنزلاء في هذا الشهر الفضيل، كما تسعى وزارة التجارة إلى ضخ السلة الغذائية إلى مستحقيها من الأسر الفقيرة والمتعففة"، هذا ما قاله محافظ بابل المهندس وسام أصلان الجبوري، مبيناً حرصه على تطبيق جميع تعليمات الحكومة المركزية بما يتعلق بشهر رمضان الكريم، الجبوري أشار إلى تنظيم مآدب إفطار جماعية في مختلف المناطق ومن ضمنها مراكز السجناء والموقوفين، وتقديم كسوة العيد إلى دور الأيتام واستغلال جميع المتنزهات لاستضافة الأسر الحلية الكريمة، مع التأكيد على أهمية توفير الجانب الأمني بالتنسيق بين جميع الأجهزة الأمنية في جميع أيام الشهر الفضيل .

كما تحدث في هذا السياق رئيس غرفة تجارة بابل المهندس صادق الفيحان وقال: "لدينا عادات وتقاليد في شهر رمضان من كل عام، منها توزيع معونة مالية لعدد من الأسر الفقيرة كما نقدم الدعم الصحي للكثير من المرضى، الذين لا يستطيعون توفير أموال علاجهم، إضافة إلى برنامج شهري، اعتادت غرفة تجارة بابل على أن تقيمه في الشهر الكريم من كل عام وهو الاحتفاء بالمبدعين من الأدباء والشعراء، وأساتذة الجامعات والمتفوقين من طلبة المدارس وأسر الشهداء والمقاتلين الذين ضحوا من أجل العراق.

كما يلفت الناشط المدني عباس حسين نظر الحكومة إلى معالجة الفقر في المجتمع العراقي واستغلال الشهر الكريم في تشخيص مكامن العوز، والحرمان في المناطق المختلفة من العراق متابعاً القول:"إن دور الحكومة لا بد أن يستند إلى دراسة صحيحة، يتم من خلالها حصر الأسر المتعففة التي تبرز حاجتها بشكل أكبر في شهر رمضان".


  أمسيات رمضانيَّة 

لعل من أبرز ما يميز شهر رمضان الكريم، زيادة نشاط المنتديات الشعرية والأدبية التي تتغنى بالشكر والثناء إلى الله تعالى، وتجسد روح الوطنية وحب العراق، يقول رجل الأعمال مالك عبد الأخوة: "تزداد أمسياتنا في منتدى الحاج مالك عبد الأخوة، في شهر رمضان وتتم دعوة شعراء وأدباء من الشباب والرواد لقراءة أعمالهم وقصائدهم، وهناك جلسات نقدية ومناظرات يسهم فيها نقاد وأساتذة، كما توزع الهدايا التقديرية بين المتميزين والباحثين الذين لهم بصمة في المشهد الأدبي".

من جانبه يرى الشاعر الدكتور أحمد جاسم الخيال أن شهر رمضان هو فرصة للحوار الشعري والحراك الأدبي، إذ يظهر العديد من الشعراء الشباب في الأماسي والمنتديات التي تفتح أبوابها بعد الإفطار، وقال: "إن صور المشهد الأدبي في أغلبها تتغنى بقيم شهر رمضان، وما يحمله الشهر الفضيل من فرصة لمراجعة النفس الأمارة بالسوء، ومن ثم بناء علاقات حميمية ترتقي بالوطن في ظل الاستقرار الأمني الذي يشهده العراق. 

من جانبه تحدث الشاعر حسين العوادي عن تجربته الشعرية في رمضان، قائلاً:"إن فضل شهر رمضان لا ينكر في تخليد المشهد الشعري، وهو بذلك يكاد أن يكون منظومة أدبية تتنقل من مكان إلى آخر، مرة في المنتديات وأخرى في الملتقيات الثقافية وأكاد أن أجزم بأن أغلب الأماكن لا تخلو من الحراك الذي أصفه بالرمضاني من كل عام .


 استتباب الأمن 

تشهد البلاد استتباباً أمنياً كبيراً، إذ حرصت الأجهزة الأمنية، على أخذ دورها في توفير أفضل الأوقات وأحسنها للمواطنين في شهر رمضان، ويلاحظ زيادة خروج الأسر الكريمة إلى المتنزهات والمواقع الأثرية والمراقد الدينية، من أجل تناول الإفطار وقضاء أوقات ممتعة، وقال مدير إعلام قيادة شرطة بابل: "إن السهر على أمن المواطن وتوفير سبل الراحة له، في أيام شهر رمضان المبارك يعدان من أولويات قيادة الشرطة، إذ تولي المراتب، والضباط أهمية كبيرة لتنفيذ الواجبات المناطة بهم في كل المناطق من خلال الدوريات الراجلة، والمسيرة والنقاط الثابتة والمتحركة، إضافة إلى تفعيل العنصر الاستخباراتي، من أجل دحض محاولات من تسول له نفسه التجاوز على أمن المواطنين"، وأكد أن هناك تعاوناً وتنسيقاً مع كل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العشائرية لغرض ايصال المعلومة وتشخيص مكامن الضعف ومعالجتها بوتيرة عالية وبأسرع الأوقات.

وفي هذا السياق أدلى المواطنون بدلوهم، وأوضحوا أن التعاون مع الأجهزة الأمنية خلال شهر رمضان واضح وهو تأكيد على حرص المواطن، على استتباب الأمن، وقال منتظر حميد: "إن من دواعي سرورنا أن تشهد كل مناطق العراق أمناً، لأن ذلك من شأنه أن يرفع من المستوى الاقتصادي ويزيد من التماسك الاجتماعي، لأنه يسهم في تبادل الزيارات بين الأسر جميعاً".