أدونيس صاحب مشروع وليس ناقد جثث

ثقافة 2023/03/22
...

 عادل الصويري


يبدو أنَّ متلازمة أخرى، غير متلازمة ستوكهولم، في طريقها للعبث بمفاهيمِنا وأذواقنا الأدبيَّة وهي: متلازمة الرأي الجمعي، الذي يُلزمنا بالانصياع للسائد الذوقي المترسّخ بفعل صراعات الإيديولوجيا، وتسطيح الوعي.

الشاعر والصحفي السعودي عبد المحسن يوسف، يعيد على صفحته الشخصية مقالاً كتبه في 2010؛ لمناسبة زيارة أدونيس لبلده.

عنوان المقال هو: «عندما يثأر أدونيس من الأموات» صبَّ فيه جام غضبه على تصريحات أدونيس، في حواره مع جريدة الحياة اللندنيَّة، والذي أجراه عبدة وازن، ونشرته الحياة عبر خمس حلقات.

ورأى عبد المحسن يوسف، بكثير من الانفعال غير المبرر؛ أنَّ أدونيس تهجَّم على أسماء أدبية، ورموز كبيرة، لها قيمتُها في ذاكرة الأدب العربي، وذلك في معرض إجاباته عن تساؤلات المُحاور، وأن هذه الأسماء رحلت عن عالمنا ولا تستطيع الدفاع عن نفسها.

ولا أعرف لماذا استخدم الشاعر السعودي عبارة (الدفاع عن نفسها) وكأنَّ أدونيس أعلن حرباً شاملة عليها، لدرجة وصفه بـ (ناقد جثث).

كل ما في الموضوع أنَّ عبدة وازن الذي أجرى الحوار، وعبر حلقاته الخمس، أراد أن يقدم وثيقة مهمة لأحد أهم القيم الأدبيَّة في حركة الشعر العربي. الحوار جرى في 2010 فهل يُعقل أن يرفض أدونيس الحديث عن تلك التجارب لمجرد أنها غادرت الحياة؟ ألسنا نتناول بالنقد والتحليل تجارب ماتت في عصر صدر الإسلام؟.

هل كان على أدونيس أن يقدم للسماء التماساً باستثناء هذه الأسماء من الموت؛ ليتمكن من إعطاء رأيه الفني فيها؟.

يسأل عبد المحسن يوسف: «ماذا بقيَ للحركة الشعريَّة العربيَّة الحديثة، خصوصاً بعد أن أعمل معوله بضراوةٍ لهدم تلك القلاع التي كنا نظنها حصينة، أو على الأقل بمنأى عن الآراء الصحفيَّة السريعة الحافلة بالمجاني، والمنقادة للإثارة وهاجس المفرقعات؟»

يقصد بالقلاع الحصينة أسماء شعرية عاصرها أدونيس، وأبدى رأيه الفني فيها، وهو الرأي الذي اعتبره عبد المحسن يوسف معولاً لهدم تلك القلاع التي اعتقدها حصينة!

وقبل أن ندخل في إجابات أدونيس؛ لنا أن نسأل صديقنا المنفعل: ما الذي جعلك تعتقد أن هذه الأسماء مع اعتزازنا بها هي خلاصة تجربة الشعر العربي الحديث؟ وإن كانت كذلك من وجهة نظرك التي أراها منقادة للمتلازمة التي تحدثت عنها في البداية؛ ما الذي يجعلك تقدسها لدرجة اعتقادك بعدم اقتراب النقد من «قلاعها الحصينة»؟

أين هي إساءة أدونيس لمحمد الماغوط في الحوار؟ هو أجاب عن سؤال المحاور عن تجربة الماغوط وأنسي الحاج فأجاب أدونيس: «شعر الماغوط طائر جميل مغرد، أما أنسي الحاج فشعره سرب طيور جميلة مغردة» فهل في هذا الكلام معول لنسف حركة الشعر الحديث؟

أما عن رأيه في من هو الأفضل، فقد قال إنه يفضل أنسي الحاج؛ لأنه يراه الأعمق. وحتى هذه اللحظة لا أعرف أين هي الإساءة!

تحدث في الحوار عن بدايات تعاونه مع يوسف الخال في إصدار مجلة شعر، التي رآها مفصلاً مهماً في تاريخ الشعر العربي بين مرحلتيه الكلاسيكية والحديثة، ثم ظروف تركه لها؛ لأنه لم يحقق فيها غايته في ربط مشروع الحداثة بالتراث

العربي.

 ولا أعرف كيف فهم صديقنا السعودي إجابة أدونيس عن تجربة الشاعر بدر شاكر السياب، حين قال إن ادونيس ألغى تجربة السياب واختصرها بعشر قصائد فقط؟

لم يختصر أدونيس في إجابته تجربة السياب بعشر قصائد، بل قال إن مراسلات كثيرة جرت بينهما، وأن للسياب عشر قصائد على الأقل هي «من أجمل ما كُتِبَ من قصائد العربية منذ خمسينات القرن الماضي حتى اليوم، وهذا يكفي لكي يبقى» فأين الإساءة؟

اما بالنسبة لتجربة محمود درويش فقال إن لعلاقة الصداقة معه حجاباً يجعله لا يصرح كثيراً برأيه في تجربته، ومع ذلك رآهُ وريثاً لنزار قباني وسعدي يوسف، وأن شعره في القضية الفلسطينية مثل بقية شعر العرب الآخرين، حيث تغلب العاطفة على الابتكار الذي تستحقه قضية كبيرة كالقضية الفلسطينية.

 كما رأى أن تجربة  درويش لم تتفاعل إنسانياً مع الشعوب التواقة للحرية، بدليل أنه كان يُكرَّم من الحكام الطواغيت ومنهم صدام حسين، وحين سأله المحاور: هل التقيت بحافظ أسد؟ فكان جوابه  قطعياً: لم  ألتقه أبداً، بينما التقى به نزار  قباني  ومحمود درويش وآخرون.