ابنة آنا بوليتكوفسكايا تروي معركة والدتها من أجل الحقيقة

ثقافة 2023/03/22
...

 عدوية الهلالي


في سن الـ 43، كانت فيرا بوليتكوفسكايا مهددة بالقتل في بلدها، وانتهى بها الأمر بمغادرة روسيا، بعد أسابيع قليلة من بدء غزو أوكرانيا. وها هي تنشر كتابا في إيطاليا للإشادة بنضال والدتها من أجل الحقيقة. وتشيد الصحفية، فيرا بوليتكوفسكايا، بوالدتها الصحفية آنا بوليتكوفسكايا، وهي مراسلة كبيرة لصحيفة نوفايا غازيتا، قتلت بالرصاص في السابع من تشرين الأول عام 2006، في مدخل مبنى شقتها وسط موسكو. في ذلك اليوم، كانت فيرا تبلغ من العمر 26 عاما ولم تصدق التهديدات التي كانت تتلقاها والدتها.


«قلت لنفسي» إنَّها تحظى بشعبيَّة كبيرة، ومعروفة جدًا، ولن يفعلوا ذلك لكني كنت مخطئة، فالطغاة دائمًا يقدمون الضحايا لتعزيز سلطتهم» كما تقول فيرا بوليتكوفسكايا، البالغة حاليا من العمر 43 عامًا، وقد نشرت هذه الكلمات في كتابها الذي نُشر في شباط في إيطاليا، بعنوان «أم».

وتصف فيرا والدتها التي كانت تسألها هي وجدّها دائمًا عندما تغادرهم «هل هذا خطر؟» فتجيبها «لكنه ضروري». لقد كانت آنا صحفية تزعج فلاديمير بوتين بالطبع دائما.

 تقول: «لأن والدتي أرادت أن تقول الحقيقة، والحقيقة في كثير من الأحيان ليست سارة، سواء كان ذلك عن مصير الجنود خلال فترة الحرب في الشيشان، أو الموت، وحياة الفقراء، أو الفساد». وباختصار، فإن ما قالته آنا بوليتكوفسكايا للروس هو أن العديد من المشكلات ليست بالضرورة حقيقية، كما كررت القنوات التلفزيونية وتكررها مرة أخرى في حديثها عن «الغرب المنحل».

وعند قراءة سطورها، نفهم أنه وبعد 17 عامًا، لم يتغير شيء، وقد تم نسيان وفاتها والتحذيرات المصاحبة لها ومبادئها العظيمة، تقول: «الطريقة الوحيدة لحماية الحرية، هي محاربة الأكاذيب وقول الحقيقة، بأيِّ ثمن، ومهما حدث». لقد مرت السنوات، وبقيت فيرا مع ابنتها الصغيرة في موسكو، ثم بدأ غزو أوكرانيا وأصبح اسم بوليتكوفسكايا مرة أخرى خطيرًا، حتى انها بدأت تتلقى تهديدات بالقتل؛ لذا غادرت الى مكان آمن وسري.

كان رحيل فيرا مشوبا بحسرة. تقول: «لم أرغب في المغادرة قط، روسيا هي بلد قتلة أمي بالطبع، لكنها أيضًا بلدي». لذلك، وعلى أمل العودة، حزمت حقائبها، من أجل التوجه الى المنفى الذي منحها شيئًا واحدًا: إمكانية الكتابة بحرية أكبر، والتحدث بحرية أكبر، وفي النهاية التمكن من إصدار هذا الكتاب»، وتضيف فيرا: «من أجل الاحتفاء بالدرس الذي أعطته لي والدتي: كن شجاعًا وحاول دائمًا أن تسمِّي الأشياء بأسمائها الحقيقيَّة، بما في ذلك الطغاة». كانت بوليتوفسكايا من أشد المنتقدين لبوتين وحروب الكرملين في الشيشان وتسبب مقتل هذه الصحفية الاستقصائية التي عملت في صحيفة «نوفايا غازيتا» المستقلة في روسيا، وقدمت مساهمات في منشورات غربية من بينها «ذا غارديان» البريطانية، صدمة في أنحاء العالم كافة. ولكن بعد كل ذلك الوقت، لم يحدد المحققون بعد من كان وراء عملية القتل المأجورة على ما يبدو.

وقال ابنها إيليا بوليتكوفسكي: «ليست لدي ولا لدى (نوفايا غازيتا) معلومات واضحة عن الجهة التي أعطت الأمر» لتنفيذ عملية القتل. وعشية ذكرى مقتلها، قالت صحيفة «نوفايا غازيتا» إنَّ السلطات ليست لديها مصلحة في متابعة التحقيق لأسباب سياسية.. وسيفلت المدبّرون من العقاب بالتأكيد بعد مرور كل هذه السنوات».

وقال الناطق باسم بوتين، ديمتري بيسكوف، إنّه «من الصعب جداً» التحقيق في جرائم القتل المأجورة. وصرّح بيسكوف للصحافيين قائلا: «نريد بالطبع معاقبة مدبّري هذه الجريمة، من أمر بها ومن نفذها. ورداً على سؤال عما إذا كان الكرملين سيؤيد تمديد مهلة التقادم في جريمة قتل بوليتكوفسكايا، قال بيسكوف إنَّ «حتميَّة العقوبة» على مثل هذه الجرائم أمر أساسي. ففي عام 2014، حكمت محكمة على رجلين بالسجن مدى الحياة بتهمة قتل بوليتكوفسكايا، وأصدرت أحكاماً بالسجن لمدد طويلة على ثلاثة آخرين متورطين في العملية. وعام 2017، توفي لوم علي غايتوكاييف، وهو شيشاني أدين بتنظيم عملية القتل، في معسكر عقابي كان يمضي فيه عقوبة بالسجن مدى الحياة.

وأجرى موظفو صحيفة «نوفايا غازيتا» تحقيقهم الخاص، ونشروا مؤخرا فيلماً مدته ساعتان على «يوتيوب»، يشرح بالتفصيل التحقيق الذي أجروه واستغرق سنوات. وفي عام 2018، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا، لعدم اتخاذها خطوات مناسبة للعثور على الأشخاص الذين أمروا بقتل بوليتكوفسكايا. وخلص قضاة إلى أن المحققين الروس كان عليهم أن يبحثوا في احتمالات أن تكون أوامر القتل قد صدرت عن «عملاء في جهاز الاستخبارات الروسية المحلية أو عن الإدارة في جمهورية الشيشان».

وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي إلى روسيا: «ندعو الحكومة الروسية إلى ضمان تقديم المسؤولين عن اغتيال آنا بوليتكوفسكايا إلى العدالة، من خلال عملية قضائية مفتوحة وشفافة». وفي بيان، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن بوليتكوفسكايا قُتلت «لعملها الشجاع في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وسط الصراع في الشيشان، ولإعطاء صوت لضحاياه». وحث بلينكن على «تحديد هوية المتورطين كلهم في قتلها ومحاسبتهم»، وأشار إلى أن «استمرار الإفلات من العقاب لأولئك الذين أمروا بقتل بوليتكوفسكايا يقوض حرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق الإنسان في روسيا». 

وتعد صحيفة «نوفايا غازيتا» التي شارك في تأسيسها الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، في 1993، واحدة من وسائل الإعلام القليلة المتبقية التي تنتقد بوتين. لكن الصحيفة دفعت ثمناً باهظاً مقابل ذلك. فمنذ عام 2000، قُتل ستة من صحافييها بسبب تحقيقاتهم وكتاباتهم، ويمكن مشاهدة صورهم بالأبيض والأسود معلقة جنباً إلى جنب في مكاتب الصحيفة في العاصمة موسكو وبينهم بالتأكيد

آنا بوليتوفسكايا.