تشرين في ارتفاعها الشعري

ثقافة شعبية 2023/03/23
...

كاظم غيلان 




ينهض الشهداء ليلتقوا بأصدقاء لهم، للصداقات طعم الخنجر في القلوب الحالمة بالثورة، هكذا هي صداقات التشرينيين .

ينشد الشعراء، دونما تصفيق وصخب أهوج، لأجل أن يسمعهم الشهداء، فهم لا يريدون لتلك الإغفاءة الهادئة انزعاجاً.. يا له من حب .

يجلس في الصف الأول بالقاعة، ذوو الشهداء وعشاق تشرين، فلا مكان لأي من أهل السلطات في الصف الأول، ولا حتى في الأخير، بل ولا حتى خارج القاعة: هكذا قالت وصايا القائمين على حفل (تشرين قصيدة الوطن). 

تشرين القصيدة، الانتفاضة، الثورة، الهبة الشعبية، سموها ما شئتم فهي أكبر من الأسماء، لأنها أربكت اللغة وأقلقت الحكومات، لذا يجيء الشعر نفسه مرتبكاً في حضرتها، لكنه ارتباك الجمال في نسيج علاقاته  المكونة للقصيدة، ولم لا يرتبك حين يبوح بأسرار الدم السائل معترضاً طلقة قناص به من هياج التوحش، والحقد الكثير.. والكثير .

في الربع الأول من الفعالية يطل (عبد القدوس) ويليه (أمجد الدهامات) وتشتعل القاعة بالتصفيق، إنهما يوزعان على الحاضرين هدايا الانتفاضة ويبعدان  دخانيات القمع بأصابعهما الطرية، أصابعهما التي لامست قعر دجلة ذات صيف جنوبي، فخرجت لنا بقطع من طين سومر الأولى. 

يتوقف التصفيق فيتلألأ الدمع، دموع العشاق تشبه دموع الثوار : الثورة عشق.

في ليالي الثورة أحاديث سمر تمزق وحشة الليل الطويل، تبددها وتستبدلها بالغناء، ولذا قالها بصدق ثائر فيتنام ومحررها العظيم هوشي منه:

(إلى جانب الكفاح يجب أن نتعلم كيف نغني) .

أغنية الثورة لها فضاء خالٍ من سموم الغرف المغلقة، فضاء الثورة مفتوح مضيء، يتسع ويتسع للا نهائي. ينصت لها القلب الذي أورمه قهر الحاكم فيهدأ، في نبض الحالم بالحرية هدوء جميل يشبه تلك الإناث وهن يسقطن محرمات العقل السلفي الذي يفصلهن عن شراكة الحياة : لا للعزلة فكلنا في خندق الثورة، اذهبوا بظلامكم بعيداً فشمسنا حارقة .

(تشرين قصيدة الوطن) ليس مهرجاناً رتيباً ولا مائدة مستديرة ولا جلسة رطانة مصطلحات خارجة بأعناق مشوهة من قواميس أكلتها أرضة الثقافات الميتة، إنها فعل ثقافي يستعيد به شبان تشرين حماسات الشعر ليرتفع بأي من الدرجات ليتوازى مع تشرين الفعل الغاضب .

كانت فعالية نادرة وبانتظار دورتها الرابعة طالما تشرين مستمرة في القلوب، حاضرة في الضمائر 

الحية.