تراجع الدينار قد يلهب الأسعار في شهر الاستغفار

ريبورتاج 2023/03/26
...

  بغداد: وليد خالد الزيدي

  تصوير: خضير العتابي 

 


إن صناعة المال، ما هي إلا جزء من عبقرية قادة المجتمعات وخصال وجهائها في بناء الأوطان وكما قيل لمن يمتلكه إن المال كالصديق ينفع وقت الضيق، عندما يكون في أي بلد أساس البناء التنموي وركيزة لكل مشروع إنساني، حينها تتآزر جهود أبنائه في الحفاظ عليه وعدم المساس بمشروعية استخدامه بما يؤمن حياة كريمة لهم جميعاً، من دون تهميش أو سلب أو إقصاء أي منهم لحساب آخرين غيره، وفي الآونة الأخيرة لوحظ تذبذب وتراجع العملة العراقية على حساب الدولار الذي يأخذ بالصعود، ثم النزول دون استقرار وعلى الرغم من مساعي الحكومة لفرض حالة من الاستقرار في أسعار الصرف وبالتالي تسييرها بما يلبي تلك الحاجات، لكننا ما زلنا نرى مسألة تذبذب سعر صرف الدولار كعملة أجنبية رئيسة، تتحكم بالسوق المحلية وتشكل ظاهرة في الحياة اليومية للعراقيين.


(الصباح) استطلعت آراء بعض أصحاب الشأن بتلك القضية، لبيان مدى انعكاساتها على أبناء المجتمع، وتأثيرها في الأسعار بالسوق، لا سيما أن العراق والعالم الإسلامي يعيشان أيام شهر رمضان الذي يتطلب أن يكون فيه الناس متكافلين ومتراحمين فيما بينهم.


مهام المصارف

صاحب محل تجارة عقارات في بغداد حسن الشمري يؤكد ضرورة إناطة الدولة للمصارف الحكومية مهمة بيع الدولار للمتعاملين معها بشكل مباشر، فيقول: "يجب أن تقوم الدولة بتوزيع كميات محددة من الدولار بين المصارف الحكومية كالرافدين والرشيد حتى تنخفض قيمة العملة الصعبة، وذلك لأن كثرة العرض تقلل من أسعار صرف الدولار، فالكثير من الأعمال توقفت بسبب عدم ثبات أسعار الصرف ومنها أعمال بيع العقارات والدور والأراضي".

ويضيف الشمري: من الطبيعي أن نشهد ارتفاعاً بأسعار المواد الغذائية في السوق المحلية، لكون شراء بعضها يرتبط بعملة صعبة هي ليست مستقرة أساساً، ما يجعل المواطن البسيط عرضة للتضرر من تلك المسألة، لا سيما أسعار الكثير من الحاجات الأساسية التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية العادية البسيطة ونحن نعيش شهر الصوم رمضان.


مهلة محددة

بينما يقول صاحب مكتب لبيع العملات الأجنبية عصام الوائلي: "إن حصص مكاتب الصيرفة منعدمة ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بينما تبيع الدولة، لعدد من الشركات المصنفة بثلاث فئات، الأولى تعطيها مليوني دولار في الأسبوع والفئة الثانية أقل والثالثة أدنى من الفئتين السابقتين.

وأضاف الوائلي: أن إقرار الموازنة سيجعل الأمور جيدة وقد يسبب استقرار سعر صرف الدولار وربما ينخفض أكثر، وتعتمد من قبل البرلمان كما أن بإمكان الدولة أن تخفض سعر الصرف خلال 24 ساعة وتعمل على استقراره، بمجرد إعلان البنك المركزي العراقي عن بيعه للمواطنين كافة وليس لفئة دون سواها كما هو الآن، إذ يباع فقط للمواطنين الذين يرومون السفر خارج العراق.


غياب الرقابة   

عباس علوان يعمل في مكتب لبيع المواد الكهربائية في بغداد يقول: "مبيعاتنا من المواد الكهربائية انخفضت إلى حد كبير بسبب ترددنا في شراء أجهزة إضافية خلال الفترة الحالية، وعرضها للبيع لعدم استقرار سعر الدولار، مقابل الدينار العراقي لاسيما الأجهزة الكهربائية ذات الأسعار العالية، لكون الكثير من الناس يترددون في شرائها لارتفاع أسعارها من جهة وعدم استقرار أسعارها من جهة أخرى، إذ يترقب بعض المشترين انخفاض أسعارها باستقرار سعر صرف العملة في السوق. مضيفاً أن الحكومة خفضت السعر لكن تجار العملة لاسيما الشركات غير مسيطر عليهم، من قبل الدولة ولعدم وجود رقابة عليهم، فالجهات الرقابية المتخصصة بمتابعة تجار العملات الصعبة، لم تأخذ دورها الرقابي كما يجب، مبيناً  أن أصحاب مكاتب الصيرفة وبيع العملات ليس لهم شأن بتلك القضية، لكونهم لم يحصلوا على الدولار مما تخصصه الدولة بالسعر المعلن من قبلها إنما من خلال  تجار آخرين، وهم يتعاملون وفق العرض والطلب وتلك قاعدة اقتصادية واضحة ومعلومة وليس فيها أي مخالفات قانونية، فلو كان المواطن مكتفياً بما تبيعه الدولة بالسعر الحكومي، لما لجأ إلى مكاتب الصيرفة المحلية، لافتاً إلى أن اجراءات الدولة بهذا الشأن، أمر صحيح لكنه يفتقد للحزم في تنفيذه من قبل أصحاب الشركات الكبرى المعنية بشراء الدولار من البنك المركزي العراقي.


مشكلة مستجدة

وتساءلت الناشطة المدنية حمدية جبر عن سبب تزامن هذه المشكلة مع فترة ولاية الحكومة الحالية ولم تحدث قبل ذلك؟ وتقول في حديثها لـ (الصباح): لماذا تلك المشكلة في الوقت الراهن خلال فترة حكومة محمد شياع السوداني، وليس في الفترات السابقة، إذن هناك أطراف تعمل على إفشال هذه الحكومة حسب اعتقاد جبر، لكونها تسعى لإطلاق وتقديم خدمة وطنية عامة لكن الأمر هذا لم يرق لمثل تلك الأطراف فهناك من يسعى لصدها بقوة.

وتضيف جبر أن أعداء الحكومة من الفاسدين كثيرون، أما كيف يمكن الحد منهم فهذه مهمة التشكيلة الحكومية باعتبارها متصدية للفساد، لا سيما نشاط من يسعى لتدهور العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، ولا يمكن أن ننسى دور أميركا في زعزعة الوضع الاقتصادي العراقي لمصالحها الخاصة موضحة أن تذبذب أسعار الصرف، يعكر صفو معيشة الفقراء خاصة انعكاساته الكارثية المباشرة على حاجات المواطنين، لا سيما أن جلهم ليسوا موظفين أو تجاراً، فأكثرهم بسطاء وعاطلون عن العمل ومنهم كسبة بأعمال صغيرة يتضررون كثيراً بعدم استقرار سعر الدولار مقابل الدينار العراقي فيعانون صعوبات أكثر بالمعيشة.

واستطردت بقولها: لتجاوز الأزمة اقترح التعامل باليوان بين العراق والصين مباشرة من دون وساطة الدولار، أو باستخدام عملة أخرى بالتبادل التجاري لضرب الفاسدين واسقاط مصالحهم الذاتية، فكل شيء ممكن أن نقدمه لصالح العراق فقط لو تصدينا جميعاً للمصالح الشخصية للمفسدين.


قيود التحويل 

الخبير المالي د. عبد الرحمن المشهداني يؤكد أن تذبذب أسعار الصرف مسألة طبيعية طالما هناك طلب عالٍ على الدولار وهناك قيود على قضية التحويل المالي، وقال المشهداني في حديث خص به(الصباح): "إن قيود التحويل هي من تجعل أسعار الصرف بالسوق الموازية ترتفع  وتنخفض، أما في العراق فلدينا قيود على التحويل الخارجي وتلك القيود تحكمها قوانين وأنظمة محلية ودولية للحد من عمليات تهريب العملة.

وأضاف: مشكلتنا المالية في العراق بدأت بعد عام(2003)حينما هدم النظام الإداري والمالي، والنقدي وأخذ القطاع التجاري يعمل في ظل فوضى لم يسبق أن مر بها، فلا يعرف بالتحديد عدد التجار، أو المتعاملين بسعر الصرف وبدأ تحويل الأموال عن طريق شركات صرافة منتشرة بشكل كبير داخل العراق، وشابت عملية التحويل الرسمي شكوك، لأن المصارف التجارية هي من تقوم بعملية التحويل وحينما تدخل البنك المركزي يبدأ التدقيق، من ثم إعلانه منذ عام (2016)بامتلاك وثائق طلبات شراء مزورة وأجرى تحقيقات أولية، لكنها لم تدرس ولم تقرأ وطلب من الأجهزة الأمنية كالأمن الوطني والقضاء والادعاء العام ضرورة التحرك بمعاقبة الفاسدين لكونهم يستغلون تلك النافذة الرسمية لغسل أموالهم في الخارج التي هي أصلاً من المال العام.


البنك الفيدرالي 

ونوه المشهداني بأنه بعد القرار الأميركي بمعاقبة المصارف المتهمة، بتهريب أموال صفقة القرن وبعد قرار تطبيق المنصة الالكترونية التي كان العراق مستثنى منها، لتسهيل عملية التجارة طبقت عليه مجموعة من قرارات تلك المنصة منها تبيان معلومات كاملة يلزم الزبائن بتقديمها كتحديد الاسم ومكان العمل، والعنوان والغرض من عملية التحويل والمستندات والوثائق مدونة الأرقام بشكل رسمي باستمارة التحويل والجهة النهائية المستفيدة، والغرض من الحوالة إن كان للعلاج أو للسياحة أو لغرض الاستيراد وما هي البضائع المستوردة، وحتى المنافذ الحدودية التي تدخل منها تلك السلع وبعد أن يتأكد البنك الفيدرالي الأميركي من صحتها يطلق الحوالة ثم تستمر عملية المتابعة، وهل فعلاً وصلت إلى الجهة المعينة أو غير ذلك.

وأردف قائلاً: "إن الخلل في تلك العملية ظهر في الفترة الماضية، لكن يفترض من البنك المركزي العراقي أن يتبنى عملية التدقيق لكي يسهل تلك العملية ويتجنب التأخير في إطلاق الحوالة، ويكون التدقيق النهائي من قبل الفيدرالي الأميركي، لأنه أيضاً لديه قاعدة بيانات".

نستنتج مما سبق أن إيقاف تذبذب أسعار صرف الدولار، يتطلب جهوداً متضافرة حكومية وشعبية ومؤسسات رسمية أمنية واقتصادية متخصصة ومنظمات مدنية، فضلاً عن معالجة قضايا، ومتعلقات إقليمية ودولية، كما يتطلب الصبر من قبل جميع العراقيين وعدم التهافت غير المبرر لشراء العملات الصعبة، لتلبية حاجات غير ضرورية وتعضيد حزمة القرارات الحكومية في الحفاظ على المال العام بما يلبي طموح أبناء الشعب، وينفذ فقرات برنامج الحكومة ويفعل تعهداتها في خدمة جميع أبناء 

المجتمع.