ميادة سفر
في بلاد تنتهك فيها حقوق النساء على مدار الساعة، وتمارس بحقهن صنوف من العنف الجسدي واللفظي والاجتماعي والاقتصادي والمهني والنفسي، وتعامل بأدنى درجات الإنسانيَّة، يغدو الحديث عن حقوق النساء الأمهات ترفاً لا يستحق الوقوف عنده في نظر البعض، هذا البعض الذي لا يتوانى عن التبجح بأن يكفيها بيتاً يأويها وظل رجل يصرف عليها من ماله وأولاداً ينادونها "ماما"، متناسين الأعداد المتزايدة للأطفال المشردين والمنتشرين في شوارع مدننا في كل البلاد العربية، لأنّ زوجاً طرد زوجته ومعها أطفالها ليصبحوا بلا مأوى، أو لأنّ الحروب شرّدتهم وجعلت منهن لقمة سائغة، أو لأنّ القوانين لم تجد بين نصوصها ما يحمي الأم وأولادها.
على الرغم من العديد من النصوص القانونيَّة التي تراعي فترات الحمل والولادة للنساء العاملات وتأسيس دور لحضانة أطفالهن، وعلى الرغم من التأكيد على منحهن الرعاية الصحيَّة الضروريَّة، ثمة قوانين أخرى تعلن صراحة انعدام المساواة بين المرأة والرجل، بل إنها تمارس أشكالاً من العنف المقونن بحقهن، في مخالفة للدستور وشرعة حقوق
الإنسان.
الجنسيَّة، تحرّم أغلب قوانين الدول العربية على المرأة المساواة مع الرجل في الحق بمنح الجنسيَّة لأبنائها، ويعامل أولاد المرأة المتزوجة من رجل أجبني معاملة الأجانب غير المواطنين في بلدها، بينما لا تمانع تلك القوانين في منح الجنسية للزوجة الأجنبية ولأولادها من زوجها الذي يحمل جنسية البلد، في انتهاك صارخ لحق المرأة في المساواة وحقها في منح جنسيتها لأبنائها، ويزداد الحال سوءاً عند الطلاق واضطرارها لمتابعة حياتها في بلدها ومع أولادها الذين لن يعترف بهم المشرع إلا كأجانب مقيمين مع ما يترتب على ذلك من أعباء على الأم قبل أي شخص آخر، في مختلف النواحي من التعليم إلى الرعاية الصحية وغيرها من أمور تزيد من العبء الملقى على عاتقها.
من جانب آخر تحرم قوانين الأحوال الشخصية الأم من حضانة أبنائها إذا هي تزوجت ورغبت في متابعة حياتها الطبيعيَّة كأيّة امرأة أخرى، لتقع بين نارين أولادها وحياتها الخاصة، ولأنَّ قوانين الأحوال الشخصية في بلادنا ذكوريَّة بامتياز فإنّها لا تتوانى عن حرمان الأم من أولادها لأنّها تزوّجت بينما لا يحرم الأب منهم لأنّه تزوج من أخرى أيّاً كانت معاملتها لهم فهو الذكر الذي يحق له ما لا يحق لغيره، فضلاً عن عدم السماح للأم بالسفر مع أولادها إلا بموافقة الأب بينما يحق له ذلك من دون موافقتها وكأنهم أولادهم هو فقط، فضلاً عن تحديد سن الحضانة ونقل الأولاد رغماً عنهم أحياناً إلى والدهم وحرمان الأم منهم.
في مقلب آخر، يشكل تجريم الإجهاض الذي تنص عليه كثير من القوانين حول العالم انتهاكاً صارخاً لرغبة المرأة بالأمومة من عدمه، وتشكل القوانين المقيدة للإجهاض تمييزاً ضد المرأة وفقاً للجنة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، فضلاً عن أنّ مجرد اعتبار الإجهاض فعلاً غير قانوني بل جريمة معاقب عليها وغير أخلاقي فإنه يؤدي إلى عزل النساء اجتماعياً ووصمهن بالعار من قبل المحيط الذي يعشن فيه، كما أنّ إجبار شخص على الاستمرار في حمل غير مرغوب به، أو اللجوء إلى عمليات إجهاض غير آمنة يشكل
انتهاكاً لحقوق الإنسان كحقه في الحياة والصحة.
ذلك غيض من فيض يبقي الأمهات كما كل النساء في بلادنا معلّقات في مهب القوانين المجحفة بحقوقهن، المتحيّزة ضدهن، المنتقصة من قيمتهن الإنسانيّة، والمكرّسة لنظرة المجتمع الدونيَّة للمرأة، قوانين تسلّط سيفها على رقابهن، مستبعدة النساء عامة والأمهات خاصة من منظومتها الإنسانيَّة، مؤيدة بثقافة مجتمعيَّة بالية تشجع الرجل على حرمان الأم من طفلها فقط "ليكسر رأسها ويذلها" ويعيدها خاضعة له.