{حزب نتنياهو يتكون أساساً من أيديولوجيات متطرفة}

بانوراما 2023/03/26
...

 جوليا أماليا هاير

 ترجمة: مي اسماعيل

ترى عالمة الاجتماع الإسرائيلية "إيفا إيلوز " ان حكومة اليمين الاسرائيلية الحالية أغرقت البلد في أعمق أزماته منذ تأسيسه، وأن الوقت قد حان كي يلاحظ العالم هذا ويقوم بالتصرف تجاهه.  وقد حاورت مجلة "دير شبيغل" الألمانية إيلوز، حول الأوضاع داخل اسرائيل في هذه الأيام، ضمن الاسئلة التالية:

فكان هناك سؤال مضمونه ان الأصوليين أصبحوا من اليمين الديني المتطرف على رأس القيادة في إسرائيل، ويشغلون مناصب رئيسية في الحكومة. فماذا يريدون؟ 

فأجابت الباحثة ايلوز بالقول: "يريدون الانتصار النهائي في هذا الصراع؛ الأرض وكل ما عليها يجب ان يُصبح لليهود. الصهاينة المتدينون لا يمثلون ببساطة مواقف أخرى؛ بل إنهم يريدون تغيير النظام، ويهاجمون القيم الانسانية الأساسية ويحتقرون القانون الدولي، و يريدون إلغاء الفصل بين السلطات".


وعندما سألها محررو المجلة: ولماذا ينتخب الاسرائيليون الاصوليين في السلطة إذا كان هؤلاء يرغبون إبطال وضع اسرائيل كديمقراطية في الشرق الاوسط؟

قالت أيلوز أن "التساؤل الأول هنا: هل كانت الاغلبية ترغب بهذه الحكومة؛ أو انها كانت مجرد حادثة من نظامنا الانتخابي. 

هناك اليوم معسكران في اسرائيل، وهما لم يعودا اليسار واليمين كما كان الحال سابقا؛ وإنما هناك يمين معتدل ويمين ديني ميساني (اليهود الميسانيون، ويسمون أحيانا- اليهود المتنصرون أو اليهود المسيحيون. المترجمة). 

وهناك اليهود الأرثوذكس المتطرفون، المؤمنون المتشددون الذين يمارسون نفوذاً كبيراً، وقد  أصبحوا قوميين أكثر فأكثر. 

وهكذا اختفى اليسار كقوة سياسية، وبذلك لا يلومن إلا نفسه.

فقد توقف حزب العمل؛ المعروف بإسم حزب "أفودا "؛ الذي حكم البلد لفترة طويلة، عن الحديث حول الاحتلال الاسرائيلي لأراضي فلسطين، وترك الفلسطينيين لمصيرهم، وبدلا من ذلك أصبح يقلد اليمين في ما يصرح .

لكن الناس ليسوا أغبياء، واذا كان لهم الخيار بين الأصل والنسخة، فسيختارون 

الأصل".  


عقوبات شديدة

طرحت المجلة مواقف وزير الداخلية وتساءلت عنه قائلة: أن وزير الأمن "إيتمار بن غفير" من حزب القوة اليهودية القومي المتطرف يريد الآن اعتماد عقوبة الإعدام ضد الفلسطينيين بعد الهجوم على الكنيس اليهودي في 

القدس. 

 فرد الباحثة بأن "بن غفير ووزير المالية، وكذلك "بيزلإيل سموتريش" هما مستوطنان لديهما أيديولوجية واضحة وحتى راديكالية، ويرغبان بالقيام بمسيرة الى جبل الهيكل (مسجد قبة الصخرة) في عيد الفصح، مما سينقض الوضع القائم مع الفلسطينيين لهذا الموقع المقدس.

لا يرغب هذان المسؤولان بإفساح مجال (للعرب الاسرائيليين) ان يكونوا مواطنين مساوين مع اليهود، فبالنسبة لهم يجب أن تكون السيادة لليهود فقط.

انهما أشبه بجماعات تنادي بتفوق العرق الأبيض، ولعلهما الأقرب إلى جماعة كو كلوكس كلان (جماعة متطرفة تهاجم السود في أميركا. المترجمة). 

ويؤمنان ان العنف طريق شرعي لفرض التفوق الديني والعرقي لليهود". 

وفي سؤال للمجلة عن إتجاه ألمانيا لعمل مقارنة بين حكومة اسرائيل الحالية مع حكومة "فكتور أوربان" في هنغاريا.. قالت الباحثة أن "هذه المقارنة تخطئ الهدف؛ فهنغاريا دولة ليبرالية من وجهة نظر مستقلة، لا يمكن مقارنتها بما يحدث في إسرائيل الآن.. فلا يوجد في هنغاريا متطرفون دينيون ضمن مؤسسات السلطة، كما إن الحكم باسم الدين فيها يمثل شأنا آخر. 

ولعل هذه الأزمة هي الأكبر التي تواجهها تل أبيب منذ العام 1948، فالكثير من هؤلاء يريدون إقامة دولة الشريعة اليهودية التي يحكمها القانون الديني اليهودي، والذي يحرم النساء وغير اليهود عمليا من أي حقوق".

تطرقت المجلة إلى أن الآلاف من مواطني اسرائيل يتظاهرون ضد هذه المطالب المتطرفة، وتساءلت عما إذا كان ذلك سيُحدث فرقا.. فأجابت ايلوز بأن "الأرضيات تتحرك في اسرائيل الآن بعكس إتجاه السلطة؛ فالناس هناك ولأول مرة يتظاهرون وبمشاركة مثل وزير دفاع نتنياهو السابق "بوجي يعالون" (محافظ ومن الصقور). 

وأصبح سياسيون من امثال "نفتالي بينيت" و"افيغدور ليبرمان" الذين كان يطلق عليهم اليمين المتطرف، يعتبرون الآن معتدلين. 

إذ أراد بينيت ضم أجزاء من مناطق الضفة الغربية قبل عشر سنوات،  كما طالَبَ بينيت المواطنين من عرب اسرائيل بتقديم ضمانات الولاء للدولة اليهودية. 

ولعل المتطرفين في الحكومة يُنتجون من دون قصد معسكرا جديدا تماما، وهو معسكر يقف ليدافع عن حقوق الانسان فوق جميع المشاعر. 

وهو  شيء لم يحدث سابقا في اسرائيل منذ العام 1948". 

وعن الجهات التي تمثل وتقود مثل هذا المعسكر، بينت ايلوز أن "المشكلة عدم وجود تقليد مهم للمعارضة، ولا وجود تقريبا للاحتجاجات الاقتصادية او الاضرابات العمالية. 

وهو لا يشبه الحال في بريطانيا او فرنسا، على سبيل المثال؛ حيث يقطع الناس الطرق ويوقفون مسيرة الدولة حينما لا يحبون خطط الحكومة". 


تشكيل المجتمع المتشدد

 ومع ذلك يواصل كثيرون زعزعة الثقة بنتنياهو رئيسا للوزراء؟

غير إنه إذ يبدو مهتما أولا وأخيرا بسلامته.. وتعلق الباحثة أن "الأمر يشابه قضية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكما هو حال الحزب الديمقراطي الأميركي، فقد مر حزب الليكود بتحولات جذرية خلال العقد الماضي. 

وكان أعضاؤه في الماضي (مثل الجمهوريين) براغماتيين بالدرجة الأولى.. من أمثال مناحيم بيغن، واسحاق شامير، وارييل شارون.. فجميع هؤلاء كانوا يساومون. 

ولكن الحزب الآن يتكون أساسا من أيديولوجيين متطرفين، وأحيانا أشخاص لديهم أفكار غريبة جدا. 

كما إن نتنياهو ذاته تغير ايضا؛ ويرى البعض ان السبب هو عملية محاكمته". 

 وتقول المجلة الألمانية أن نتنياهو يرى نفسه شخصا متهما زورا، ولكن لو لم يكن اليوم رئيسا للوزراء لكان يواجه اتهامات بالفساد في المحكمة. 

ولا يبدو انه يبالي بما يعتقده المجتمع الدولي عنه.. في حين ترى الباحثة ايلوز أن ما لا زال يركز اهتمامه على الجمهوريين في الولايات المتحدة، وهناك تناظر ايضا في تل ابيب؛ فما تمثله الطبقة البيضاء الدنيا في الولايات المتحدة يمثله المزراحيون (الذين يمثلون يهود الدول العربية) الموجودين داخل إسرائيل. 

فقد حوّل مؤسس حزب الليكود مناحيم بيغن هؤلاء الى ناخبين لكتلته السياسية، باقتراح انه يجب أن يكون لهم نصيب في المجتمع، ولكن بالطبع من دون أن يفعل الكثير لتغيير ظروفهم الحياتية البائسة. 

ثم تولى نتنياهو الامر، والآن بات حزب شاس المتشدد (الحليف المخلص لنتنياهو) يمثل الكثير من المزراحيين".   

وترى ايلوم ايضا أنه ولهذا السبب كان "أرييه درعي" وزير الداخلية المتشدد الذي اضطر نتنياهو ان يقيله بسبب سجله الاجرامي، شخصا مهما بالنسبة له. 

ومن الجانب الآخر أصبح اليسار الاسرائيلي مكروها بالاجماع تقريبا، رغم ان ما قام به خلال سنوات التأسيس كان استثنائيا.. فبناء المؤسسات خلال وقت قصير في منطقة صعبة أمر يصعب تصديقه اليوم.

لكنهم كانوا مهملين ايضا، فعلى سبيل المثال: كانت معاهدة بن غوريون مع المتدينين المتشددين، وكان بذلك يخلق الظروف لتشكيل مجتمع متشدد دون علم منه".   

وتضيف الباحثة المستقلة أن اسرائيل ترى انها الدولة اليهودية الوحيدة في 

العالم وانها تريد أن تكون دولة دينية ايضا.


عنف مفرط

كان الرأي السائد بحسب أيلوز، قبل نحو عشر سنوات أن الخطر الحقيقي لدولة اسرائيل سيأتي من الداخل، ويبدو ان هذا هو ما يدور الآن.

فإسرائيل دولة غريبة، يتوجب عليها ان تُبرر وجودها طيلة الوقت؛ أو- على الاقل تعتقد ان عليها تبرير وجودها طيلة الوقت.

لكن ما زال يُنظر اليها على انها دولة مؤسسات ديمقراطية، رغم أنها تتصرف بشكل متزايد كدولة عرقية نقية.

كما إن مشكلتها أنها لا تعرف سوى الاصدقاء أو الاعداء.. فهي بهذا الحال دولة تنتمي إلى شيء بدائي كمفارقة تاريخية، شيء أشبه بالتعصب العشائري.

وقد كانت بداياتها كذلك سابقا؛ بسبب المكانة التي تمتعت بها الاقليات، العربية المتلفة، أي- بسبب تمييزهم الصريح تماما. 

أما الآن فإن سياسي مثل بن غفير وزملاءه باتوا يقولون بوضوح: انهم يريدون نظاما للأغلبية".

وعندما سألت المجلة الباحثة المستقلة إن كان هذا يعني ان الاغلبية تقرر ما يجري في اسرائيل، قالت "إن الحكومة لا تقرر فحسب، بل تهيمن على الاقليات ولا تراهم بصفة شركاء أو أقران. 

وهذا يعود جزئيا الى الوضع الأمني في البلاد، لكن السلطة لم تعانِ ابدا مشكلة عند التوضيح ان اليهود فعليا هم الذين يقررون ما يقع 

فيها".

لكنه ما زال دربا طويلا لمتطرفين مثل بن غفير وسموتريش، إذ إنهما "انهما نتاج لما يُسمى "ثورة كاهانا".. فقد وقع الحظر على حزب كاخ للحاخام المتطرف "مائير كاهانا" خلال العام 1988؛ لكن لم يستغرق الامر طويلا لتبدأ ايديولوجيته بالانتشار ثانية على كل حال، عبر مؤسسات الفكر القومي ومن خلال المنظمات التي تعمل الآن منذ 30 عاما لنزع الشرعية عن اليسار في إسرائيل.

كانت استراتيجيتهم ماهرة بقدر ما كانت مثابرة، ممولة من مليارديرات الولايات المتحدة.

ولو سألت جمهور اليهود اذا كانوا يرغبون ان يكونوا ديمقراطيين أم يهودا، سيختار 42 بالمئة منهم ان يكونوا يهودا.

إنها لمفارقة، إذ كلما كانت الأمور أكثر هدوءا بالنسبة لإسرائيل في المنطقة، كلما كانت فكرة التهديد أقوى". 

وترى ايلوز أن الأسابيع الأولى بعد تولي الحكومة الجديدة للسلطة كانت مليئة بالعنف.. ففي الضفة الغربية مثلا قُتل ثلاثون فلسطينيا خلال عمليات مداهمات أمنية إسرائيلية ونتيجة للعنف الذي شنه المستوطنون. 

وفي القدس قتل سبعة يهود بعد هجوم على كنيس يهودي. 

وهذا رغم حقيقة أن الناس في إسرائيل يدفعون كل شيء خلفا لصالح القضية الأمنية.

فإن الأمن يضفي الشرعية على جميع الإجراءات، إذ يمكن تعليق حقوق الإنسان وهدم منازل الفلسطينيين، ويمكن تعريض أفراد الأسرة للتعذيب أو 

السجن. 

ويتقبل الاسرائيليون هذا لأنها قضية يرون أنها تتعلق بأمنهم؛ والنقطة الحزينة هي ان سياسة الأمن تلك تجلب النزاع والعنف.. أي- انعدام الأمن مع الفلسطينيين. 


دير شبيغل الألمانية