{حديث النساء}.. فكك الأسس الأبويَّة للسينما التجاريَّة

ثقافة 2023/03/27
...

علي حمود الحسن|
ينتمي فيلم "حديث النساء"(2022) للمخرجة الكندية سارة بولي إلى السينما النسوية، التي "فككت الأسس الأبوية للسينما التجارية" وهشمت الصورة النمطية المكرسة للمرأة بكونها خانعة، عاشقة، بنت هوى مشتهاة.

 الفيلم الذي يتحدث عن محنة نساء مغتصبات ومعنفات وكفاحهن لإدانة الفاعلين ومحاكمتهم، كتبت معالجته السينمائية المخرجة نفسها، وحازت على أوسكار أفضل سيناريو2023، ومثلت فيه فرانسيس مكدورماند، و جوديث ايفي، فضلاً عن بن وشو في دور المعلم، وألفت موسيقاه هالدير غونادوتير صاحبة أفضل أوسكار عن "جوكر".   

"حديث النساء" مقتبس عن رواية بالاسم ذاته، صدرت في العام 2018 للروائية الكندية مريام تويز، وتدور أحداثها خلال العقد الأول من القرن الـ21 في مستعمرة (بينونايت) مسيحية بروتستانتية مغلقة معزولة، تعيش بعيداً عن الحداثة، فلا مواصلات ولا كهرباء، أو هاتف، وقاطنوها يعملون في الحقول ورعي المواشي، تعاني النساء من حالات اغتصاب وعنف، وتنسب هذه الأعمال إلى الأشباح والشياطين، وغالباً إلى "خيالات النساء" فيلذن بالصمت رغم الانتهاك والعار، تطيح إحدى الضحايا بواحد من المغتصبين، الذي يعترف بكل جرائم الاغتصاب بمشاركة سبعة آخرين من رجال المستعمرة، بما في ذلك انتهاك جسد طفلة عمرها أربع سنوات، يدان المتهمون ويحاكمون في مدينة أخرى، يهرع رجال "المستعمرة "جميعاً لكفالة المجرمين وإخراجهم من السجن، بينما تبقى النساء يتداولن في ما ينبغي عمله، بعضهن قررن المغادرة، والبعض الآخر أصررنَ على البقاء والمواجهة ضد التواطؤ الذكوري، وأخريات طالبن بالسماح والمغفرة للرجال حتى يرضى الرب، بعد تصويت وحوارات ساخنة بين الأطراف المتناقضة (شغلت معظم الزمن الفيلمي) يتخذن قراراً بالمغادرة والبحث عن مكان أرحب يستردن فيه كرامتهن المهدورة.  عمدت المخرجة سارة بولي، المعروفة بأسلوبها الذي يهتم بالتفاصيل الصغيرة لشخصياتها وعلاقتها بالآخر، إلى حصر بطلاتها الثماني في غرفة أقرب إلى قاعة محكمة، ومن خلال حوار بسيط ، لكنه عميق ومؤثر تعبر كل واحدة عن تجربتها وانكسار روحها، وأحياناً عن سخطها وغضبها، انزياحات في الأدوار فسالومي (كلير فوي) لا تفهم لغة المهادنة مع الذئاب البشرية وتطالب بقتلهم واحداً واحداً، بينما تميل سكارفيس (فرانيسي مكدورناد) إلى التهدئة ومسامحة الرجال "لكي نستمر بالعيش"، وينحاز فريق ماريشي (جيسي بركلي)، و (روني مارا)، وغريتا (شيلا مكارثي) إلى الرأي القائل بالرحيل. ففي مشهد ملحمي تغادر العربات التي تجرها الخيول باتجاه الأفق محملة بنساء وأطفال ينشدون حياة كريمة.  وعلى الرغم من البناء السردي الذي نسجته سارة بولي، اتخذ منحى أقرب إلى المسرح (وحدة المكان وحوارية النساء التي شغلت ثلاثة أرباع الفيلم)، إلا أن الفيلم لم يفقد حيوية ايقاعه من خلال المونتاج وقوة الحوار واختزاله، فضلاً عن حيل سردية أخرى على شاكلة: الراوية الصغيرة أوتجي (كيت هاليت)، واللقطات في مستهل الفيلم التي أثثت للأحداث منها لقطات لأقدام رجال المستعمرة، ولقطات "الفلاش باك" التي كسرت تشعب الحوار النسوي واحتدامه.