أسعد الصغير.. فكرة التجريد

ثقافة 2023/03/27
...

 خضير الزيدي 


يوثق أسعد الصغير في مجال الفن أكثر من فكرة بصريَّة، وغالباً ما يميل عمله إلى طابع تجريدي ذي نظام هندسي، فكأنَّ رغبته في انتاج الخطاب البصري تدعونا لمعرفة مآثره البنائيَّة والجماليَّة من طابع خاص يتطلع فيه إلى إحياء لوحة تحمل وجها ويقينا لا يبتعد عن توظيف الواقع اليومي والملفت في نزعته البنائيَّة أنَّها تميل إلى وحدة لونيَّة موحّدة تدار برؤية تنتقل بين التجريد الخالص والتجريد الهندسي.

وربما يسعى في ذلك ليتطلع إلى إيجاد علاقة بين المرئي واللامرئي بين موضوع حاد يعي أنّه ملتزم بمراتب فيها طاقة بصريَّة وبين موضوع حسَّاس له مراتب الأشياء الغامضة والمبهمة التي يصعب على المتلقي فهمها أن مثل هذه اللوحات تحمل إيحاء وموجهات شكليَّة تتهيَّأ أمام المتلقي لتفرض كثيراً من اللعب البصري، وقد تكون عناصر لوحته كاشفة عن غاية محددة يميل لها هذا الفنان على مستوى من قوة التنظيم وما يتحقق فيه من عامل تكوين وبين الربط بين الدال والمدلول في طريقة التعامل والممارسة الإبداعيَّة.. هناك مساحة من التأمل ننشدّ لها ونحن نقف أمام أعماله هي في المحصلة نتاج وعيه ومثاليَّة طريقته وأسلوبه الفني فما الذي يبتغيه في كلِّ ما يصنعه من نزعة بنائيَّة تستكمل شروط خطابه الجمالي؟ 

إنَّه الفن المثابر والطريقة التي تعطينا أشكالا ذات حمولات ومستويات تمثل في الأخير تنظيماً جمالياً فضلاً عن المتعة البصريَّة التي تتعامل بمزيد من الثقة والاستحقاق.

إنّنا ندرك مدى أهمية الفن التجريدي حينما يتعامل معه الفنان على أساس هندسي.

إنَّه تحول له ملامحه ومعناه وله خط شروع لا يعرف نقطته وبداياته إلا الفنان مع هذا يشركنا أسعد الصغير في معرفة إشكاليَّة فن تجريدي قابل للتأويل من حيث المبدأ.

لقد بقى هذا الفنان على الدوام يتغنى بالفن، لأنّه يسعى إليه بإخلاص فالفن والتلاعب بقيمه الشكليَّة لديه ممارسة ملغزة.

إنَّه يصنع التباساً في نزعته وأسلوبه ليكون بمقدوره أن يعطي فهما آخر للعمل الفني.

ووفقا لهذا التصور سيكون الشكل انتقائيا وليس عشوائيا بينما الانتقال في المعنى يبقى مرهونا بمساحة التأمل وفهم التجربة من قبل المتلقي. 

حقا يبدو عمله ملغزاً وغامضاً لكنه بموازاة قيم الفن ومثاليته سنكون عند فن له حضور ومهابة وعلينا التعايش والانسجام مع رؤية العمل، ونحن في أعلى مراتب الثقة من مشاهدة لوحة تحيل متلقيها الى جمال بصري تتردد أصداؤه بفعل الدهشة وما ينطوي عليه من مفارقة تتحمل عناصر العمل فيه كل هذا الاكتفاء والثراء في الخطاب الفني.. فكرة الفن عند الصغير تنهض على مرجعيَّة لا تحتمل لغة العاطفة، ولا لوازم التعبير الإنشائي الأقرب للفوضى.

إنَّ فكرته تأتي بدعوى التمسّك بالأسلوبيَّة أولاً، وبطابع خاضع لمعايير الأسباب الموضوعيَّة التي تقف وراء كل أعماله.

إنَّه يكتفي بضرورة الفن بيننا، ولكنه لا يجازف ليجعل منه ذات نمط مبسّط، كأنّه يحدثنا عن الفرضيّات التي تحملها اللوحة حتى لو احتملت اغتراباً أمام المتلقي جراء هندستها الشكليَّة أو بنائها الغريب. 

المهم هناك وحدة موضوعيَّة تقف وراء منتجه تتحدد بقابليَّة الرمز أو التعالي على المعنى لينتصر الشكل ولو جاء على حساب تجانس المتناقضات في تنوع عناصر عمله الفني.

لقد سعى هذا الفنان في أكثر من مناسبة فنيَّة عبر معرض شخصي أو مشترك أن يتفرد بطريقته الفنية ليحمل معه لوازم ذائقة وخيال خصب يحيي فيه الفن وينتصر لفكرته،

وهذا الإخلاص جاء نتاج علاقة وترابط حميمي بينه وبين اللوحة، فمهارته والأداء الأسلوبي البعيد عن مؤثرات الآخر يسجل له كلما أردنا الوقوف عند منجزه، ولعل الملفت في حقائق لوحاته أنّها تشتغل على أمد بعيد وبحيوية تشرع لنا في محتواها قيماً ثقافيَّة لكي يكون موضوعها أثيراً وباقياً في

ذاكرتنا.