نازك الملائكة.. شيءٌ عن العزلة

ثقافة 2023/03/28
...

  نصير الشيخ


في استذكار الشاعرة نازك الملائكة، تعيدنا الكتابة للبحث عن لقى وآثار في مسار الريادة الشعريَّة برموزها ومضامينها وانقلابها الشكلي. ومن ثم الوصول إلى ما تحقق في مسيرة الشعر العراقي وحضوره التاريخي والفني عربيَّاً. ما نفحصه الآن هو كتابة في «لقية أدبيَّة ثرة»، وهي تقدمة ديوان «قرارة الموجة» الصادر عام 1957، هذه التقدمة بحسب توصيف الشاعرة هي حواريَّة نفسيَّة تجلّت في الذات الشاعرة، وهي تتمرأى في عزلتها إلى «ذاتين» واحدة حملت سمات شخصية الشاعرة في بداياتها الشعرية، والذات الثانية مثلت حضور الشاعرة في تطورها الكتابي «شخصيتي الفكرية وشخصيتي الجديدة»وعبر هذه المقابلة أرادت الشاعرة تشخيص الفروق الذهنيَّة بينهما.

إنَّ نازك دوّنت منطوقها النظري لفهم الشعر بدءًا من تسمية «قرارة الموجة»، وبحسب الشاعرة «أن الموجة لا تركد أبداً، والنقطة السفلى فيها ليست إلا قفزة جديدة نحو القمة». هذا الحوار الهادئ بين الذاتين اللتين تنتميانِ لشخصية الشاعرة أباحت بالعديد من الهواجس والأفكار وصولاً إلى نقطة التمركز للذات الشاعرة لحظة اكتمال القصيدة وتقديمها للقارئ.

هذه الحواريَّة بدفقها الفكري المحمل على لغة تمتاح من العاطفة الكثير وهذه إحدى سمات الشعريّة في تجربة نازك الملائكة، والمنبعثة من خلال قصائدها من عزلة واضحة وصريحةٍ تعيشها الشاعرة اجتماعيا وثقافيا. وحتى بعد تحقق وجودها الفعلي في مسار الشعرية العراقية، رافقتها هذه العزلة طيلة فترة حياتها، وكأنَّ هناك مخابئ سريَّة ظلت خافية علينا لصندوق مغلق اسمه حياة الشاعرة. في حين أن منطق الحياة بوجهها الاجتماعي يجعل للفرد على الأقل حضوراً في وسطهِ الاجتماعي، وهذا يبدو أكثر تأثيراً في الدائرة الأدبيَّة. ولو تتبعنا هذه الحواريَّة التي امتدّت لثماني صفحات تصدرت ديوانها «قرارة الموجة» نخلص أن نازك ذات ترسف تحت هيمنة الزمن، هذا السيل الفيزياوي المندلق بكثافة وبحب قولها «ما هذا الزمن لتخافيهِ إلى هذا الحد». وهنا يأتي الاعتراف المنبثق من أعماق هذه الذات المتوحدة مع عزلتها والواقفة عند تخوم جليد الوقت «إنّي أقضي أشهراً طويلة أحيانا، قبل أن أحسَّ بشيء من الانسجام مع إنسان أراه كل يوم». من هنا تظل جدران العزلة ماضية في نسج خيوطها وصولاً إلى الاعتراف الذي هو ترجمان لها «لقد آن لي أن أعود إلى

قوقعتي».