{ظل الأفعى}.. عن الأسئلة في بلاد الإجابات

ثقافة 2023/03/28
...

  حربي محسن عبدالله


رواية على صغر حجمها الذي لا يتجاوز مئة وبضع وثلاثين صفحة من القطع المتوسط، إلا أنها تضعنا تحت سيل من المعرفة اللغوية والتاريخية والأسطورية دون أن تنسى في طريقها التوقف عند ملمح صوفي هنا وبيت شعر هناك، توظفها لخدمة مسارها الممتع والمثير والمشحون بعدة مستويات من الخطاب الذي تريد أن تقوله. "ظل الأفعى" ليوسف زيدان، تكرّس الحب مفهوماً أنجبتْ به الأنثى العالم، لتؤكد على أصالة الأنثى، رغم أنها حظيتْ بنصيبها من التقديس والتدنيس. 


من أول جملة في الرواية وهي ( آخرتها إيه يا عبده ياغلبان) إلى دراما الأحداث التي تتوالى ندرك أن ثمة هوة تتسع رويداً رويداً  بين عبده وزوجته سليلة الحسب والنسب حفيدة الباشا  الذي أغفل الكاتب أسمها لصالح "نواعم" وهي صفة أحب عبده أن يطلقها عليها لأسباب تخص النعومة التي تلفها من رأسها حتى القدم "فكل شيء فيها ناعم". لنصل إلى نقطة اللاعودة التي وصلت إليها العلاقة بين الطرفين وذلك بسبب وصول خطي الحياة لديهما إلى التوازي. عبده محدود الطموح الغارق في توقه وشوقه للجسد النواعم، والأنثى التي اجتاحت خلاياها ترنيمة الآلهة القديمة: 

"أنا عشتار

النار الملتهبةُ التي استعرتْ في الجبال

الأسم الرابع من اسمائي الخمسين المقدسة، هو:

نار المعركة المحتدمة

فاجعلني، وحدي، كخاتم على قلبك..لأن المحبة قوية كالموت".

تنتقل بنا الرواية في لحظة الخلاف الذي قطع كل حبال الوصل بين الأنثى النواعم وعبده، إلى رسائل الأم التي طردتها حياة الباشا جد ابنتها خارج الدائرة المغلقة المحافظة للتقليد ما أن وضعتْ جلد الأفعى في نعش زوجها. تلك الرسائل التي تشكل المسار الأهم للرواية لما تحويه من معارف كانت الأم النائية تزق بها ابنتها من بعيد. تلك الرسائل التي تطرح أسئلة لا تمتلك بلاد الإجابات الجاهزة رداً عليها. ثم تنقلنا الرسائل إلى ملاحم الأمم القديمة لتتوقف عند نصوص خالدة بابلية وفرعونية ويونانية. لتناقش بعض ماورد في ملحمة تكرّس لأكاذيب تراكمت وشكلتْ في النهاية وعياً زائفاً يقلب الحقائق، عبر واحد من البحوث التي قامتْ به الأم ونشرته بلغات عديدة، غير العربية، تحت عنوان أثار وقتها حفيظة الكثيرين (كما جاء في رسالة من الأم لابنتها)، جاء العنوان على الشكل التالي: " الحرب وتحولات الأنوثة من المقدّس إلى المدنّس! وهي التحولات التي رصدتْ بداياتها في سومر القديمة، الحضارة المجيدة التي انتهت نهاية مجحفة، وربطتْ أدبياتها المتأخرة لأول مرة في تاريخ الإنسانية، بين المرأة والأفعى والشيطان.. وهكذا تزحزحت الإنسانية عن (الإنسانية) التي امتدت ثلاثين ألف سنة سابقة، ليتم خلال ألف سنة تالية لاندثار سومر، عمليات معقدة تم خلالها الانتقال التدريجي من اكتشاف الزراعة، إلى الاستيطان، إلى الحياة الزراعية الواسعة؛ فتراكمت الثروة.. ومن الإتاحة الجنسية، إلى الأسرة النواة، إلى العائلة الممتدة ونظام القرابة، فتأكدتْ هرمية السلطة.. ومن الحماية والدفاع، إلى المبادرة لدرء الخطر، إلى استدامة الجيوش الغازية وإعلاء العسكرية باسم حماية أمن وثروات الجماعة. وبهذه الجدلية الثلاثية، انتقلت الإنسانية ياابنتي، من روح الحضارة الأنثوية، إلى أزمنة السيادة الذكورية..انتقلت من الولادة إلى الإبادة".

ختاماً نود الاشارة إلى إن الرواية دعوة لطرح الأسئلة عبر مستويات متعددة وليستْ معنية تماماً بالإجابات الجاهزة التي تبلدتْ من فرط تكرارها وغادرتها الحياة لفقدانها للروح منذ أن أزيح الأصل لحساب الصورة.