ونحن في شهر الرحمة.. رفقاً بالبراعم

استراحة 2023/03/29
...

  صديقة الموسوي *


لا شكَّ بأنَّ الإنسان الهادف يسعى لأنْ تكون خطواته مدروسة تقربه من الكمال، إلا أنَّ هذا السعي تشتدُّ وتيرته في شهر الضيافة الإلهيَّة حيث يأخذ النهل من معين الأعمال العباديَّة التي يسعى فيها المؤمن لاستغفار ربه والتوبة والإنابة إليه تعالى، والتخلص من درن الذنوب، وختم القرآن الكريم وأداء الصلوات المستحبة وقراءة الأدعية المأثورة حيّزاً خاصاً من وقته، إلا أنَّ جامعيَّة الإسلام تتجلى في أنه إضافة الى تنظيمه لعلاقة الإنسان بربه وبنفسه، اهتمَّ بتنظيم علاقة الإنسان بالآخرين، فقد حفلت الآيات القرانية الكريمة والأحاديث الشريفة بقواعد لتنظيم علاقة الإنسان بالإنسان، ودعته لتحكيم الروح الإنسانية العالية ونبذ روح الأنا وتقديسها "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" الحجرات، آية: 13.

ومن الأمور التي أولتها الشريعة الخاتمة اهتماماً ملحوظاً مسألة الاهتمام بالطفل والرحمة به والعطف، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: حَقُّ الصَّغيرِ رَحمَتُهُ في تَعليمِهِ، وَالعَفوُ عَنهُ وَالسِّترُ عَلَيهِ، وَالرِّفقُ بِهِ، وَالمَعونَةُ لَهُ... بحار الأنوار، ج 71، ص 9. 

فالرحمة واللطف بالطفل حقه الأول؛ كونه ضعيفاً لا يستطيع القيام بقضاء حاجاته من دون مساعدة، ولعلَّ حاجة تناول الغذاء من أهمها، ولعلنا في هذه السطور في غنى عن توضيح أهمية تناول الغذاء المفيد وخصوصاً وجبة الفطور التي أثبتت الدراسات أنها تؤثر حتى في النمو العقلي للطفل وتقلل من خطر السمنة الذي صار يحدق في الأطفال في ظل التغييرات التي طالت نمط المعيشة كصغر البيوت والجلوس لوقتٍ طويلٍ على شاشات التلفاز والألعاب الإلكترونية.. في شهر رمضان وخصوصاً مع طول النهار وحرارة الجو، حيث تخلد الكثير من الأمهات بعد صلاة الصبح للنوم لساعات، وقد يبقى الطفل الذي تتزايد حاجته في عمر النمو للغذاء جائعاً أو يضطر لسد جوعه الى البحث الى تسلق الدواليب للبحث بسكوته أوقطعة من الكيك.. أو تضع له الأم الأغذية والعصائر المصنعة التي فيها من الأضرار ما فيها، وكذا الحال مع الغداء فقد تتجاهل الأم الطفل ولا تعد له طعاماً مفيداً بحجة أنه سيأكل في الفطور ما لذَّ وطاب.. والحال أنه صغيرٌ لا يقوى على الجوع ولم يكلفه الله تعالى

بذلك.

ما أرجوه من بُنياتي العزيزات أنْ يتذكرن أنَّ هذه البراعم الصغيرة أمانة الله تعالى بأيديهنَّ، وأنَّ الأمومة مهنة المحبة والرحمة وأنَّ في الاهتمام بالطفل ورعاية شؤونه وأداء الأعمال المنزليَّة بنية القرب منه تعالى والثواب الجزيل ما لا يقل عن سائر الأمور العبادية.. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله):" خَيْرُ نِسَائِكُمُ الطَّيِّبَةُ الطَّعَامِ الطَّيِّبَةُ الرِّيحِ الَّتِي إِنْ أَنْفَقَتْ أَنْفَقَتْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ أَمْسَكَتْ أَمْسَكَتْ بِمَعْرُوفٍ فَتِلْكَ عَامِلٌ مِنْ عُمَّالِ اللَّهِ وَ عَامِلُ اللَّهِ لَا يَخِيبُ" الكافي ج 5، ص 325.

أسأل الله تعالى أنْ يوفقكن ما يحب ويرضى ويتقبل منكنَّ كل عملٍ تقمن به في مملكتنَّ الصغيرة ويجازيكنَّ عليها خير الجزاء.


* باحثة في علم النفس التربوي