المساجد والابتهالات الدينية في السينما

ثقافة 2023/03/29
...

غفران حداد




وثقت السينما المصرية مكانة الابتهالات الدينية والمساجد بشكل جميل  في الكثير من  أفلامها، فالابتهالات والتواشيح تتردد على مدار العام خصوصا في شهر رمضان وفي مدح السيرة النبوية العطرة، فمثلا كتب الشاعر بيرم التونسي “ إيدي في إيدك “ وكانت إحدى الأغاني المميزة التي غنتها أسمهان في فيلم “انتصار الشباب”  ألحان فريد الأطرش :

إيدي في إيدك نسير والمولى راعينا                    ليه نشتكي أرضنا والنيل ساقيها



وقدم المخرج “ توجو مزراحي” في فيلم “السلامة”، عام 1945، والشاعر بيرم التونسي أيضا والملحن الشيخ زكريا أحمد، ابتهالا دينيا كان من أداء أم كلثوم تردد فيه:

برضاك يا خالقي لا رغبتي ورضاي

خلقت صورتي ويديك صوّرت أعضاي

أبلغ بصوتي يا رب مقصدي ومناي 

لما أناجيك ولما تستمع شكواي

وعلى الرغم من أن السينما المصرية قدمت الكثير من الشعراء الذين أبدعوا في كتابة الابتهالات الدينية مثل صالح جودت وعبد الفتاح مصطفى وأحمد رامي ، لكن الشاعر بيرم التونسي له البصمة الأكبر في هذا المجال ، وشاهدنا إبداع الأخير حين كتب  “ لنور الهدى “ ابتهالا حمل عنوان “ يا أرحم الراحمين” من خلال فيلم “ أفراح “ عام 1950 ، للمخرج صلاح نيازي ، يقول : 

أنت الرجا والأمل لليائس الحيران 

لما تخيب الظنون من علم كل طبيب

أنت الوحيد اللي قاصد رحمتك ما تخيب 

الأفلام التاريخية 

وكان للأفلام التاريخية الدينية حضورٌ في السينما العربية وبشكل خاص المصرية وتحمل احتفالات شهر رمضان المبارك أو ترديد الشعائر بالحج إلى بيت الله الحرام وأناشيد تردد في حب الرسول، ففي فيلم “ أنا وحدي “ للمخرج بركات عام 1953 رددت سعاد محمد ابتهالا في حب الرسول (ص ) :

يا حبيبي يا رسول الله يا أغلى طموحي 

يا شفيعي يوم أن ترتد إلى الديان روحي

دينك السمح على الأيام مرفوع الصروح 

ينشر الرحمة والنور على الشرق الفسيح

وفي العام نفسه قدم لنا المخرج أحمد الطوخي فيلم “ بلال مؤذن الرسول “ وقدمت فاطمة علي ابتهالا ، قائلة : يا نور محمد على أرض الحجاز هلّيت 

ومعاك جبريل يرفرف على الحرم والبيت

وكثيرة هي الأفلام التي صورت الابتهالات والتواشيح الدينية بأجمل المشاهد مثل فيلم “ خليك مع الله “ ، 1954 ، المخرج (حلمي رفلة)، وقد قام بالأداء محمد الكحلاوي، وكان عنوان الأغنية هو اسم الفيلم أيضا، وقال فيها : 

خليك مع الله واعمل الطيّب 

سلّمها لله تلقى البعيد قريّب 

صورة المسجد في السينما

ونحن على أبواب شهر رمضان المعظم، فللمساجد مكانة خاصة قد تزيد على باقي الشهور على الرغم من أنها دوما تحمل المعاني الإنسانية من التوبة إلى الله وأداء فريضة الصلاة وتمثل رمزا للتطهّر والهداية ، ولكن مكانة المسجد في رمضان كما وثقتها السينما تحمل جمالية أخرى من واقع حياتنا  ونحن ننتظر بلهفة سماع أذان صلاة المغرب مع وقت مدفع الإفطار عبر التلفاز معلنين موعد الإفطار، والسينما المصرية قدمت عدة أفلام وهي تفتتح مشاهدها الأولى بصورة المسجد وصوت المؤذن ثم أداء المصلين لشعائرهم مثل فيلم “ الإيمان “ للمخرج أحمد بدر خان 1952 ، و “ رسالة إلى الله “ لكمال عطية  1960 , و “العزيمة “ لكمال سليم 1939 .

وهناك أفلام مصرية صورت الأحياء القديمة  جوار المساجد مثل فيلم “ شارع السد “ للمخرج محمد حسيب 1986  ، و “ السقا مات “ لصلاح أبو سيف 1978  و “ قنديل أم هاشم “ لكمال عطية 1968 ، وصورت في منطقة مسجد السيدة زينب ، كذلك أفلام ثلاثية نجيب محفوظ “ بين القصرين “، “ قصر الشوق “، “ السكّرية “ لحسين الإمام ، و “ واحد من الناس “ للمخرج أحمد جلال 2006 ,  وكانت أحداث الفيلم في منطقة الحسين. 

وهكذا فإن الكثير من الأفلام المصرية عبر عن حب المسلمين للمساجد واحتفالاتهم بقدوم شهر رمضان والموالد في حب الرسول، وربط المخرجون بين يوميات أبطال أفلامهم ولقمة العيش والمساجد، وصوروا علاقات الناس بعضهم ببعض وليس فقط لأداء الشعائر أي الصلاة ، كذلك صورت السينما المساجد قصصا إنسانية حين يترك عند أبوابها أطفال غير شرعيين  مثلما  شاهدنا في فيلم “ ليلة غرام “ 1951 ، للمخرج أحمد بدر خان ، تأليف صالح جودت وتدور أحداث الفيلم في كفر الأشراف مركز قليوب حين تترك الأم “ زوزو نبيل “ ابنتها الرضيعة أمام المسجد ويعثر عليها الشيخ عمران “ زكي إبراهيم ، وتسلم لاحقا لمركز رعاية الأيتام .

الحدق يفهم

ومن روائع السينما المصرية حين قدم المخرج أحمد فؤاد 1986  مكانة الجامع في فيلم “ الحدق يفهم “ بطولة محمود عبد العزيز وهالة فؤاد ، تأليف فاروق سعيد  ، وتدور أحداث الفيلم حول هروب البطل إلى قرية ريفية ويرتدي زيّاً أزهريّاً ، وجعل أهل القرية يظنون أنه إمام كبير ذو بركات، وجعل الراقصة “الغزيّة” تعتزل مهنة الرقص وتتوب على يديه فدخل دائرة اهتمام الناس ويستشيرونه بل ويدعونه لمناسباتهم، وذات يوم جمعة وبعد أن انتحل صفة إمام مسجد يصعد إلى المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، فيشعر بطل الفيلم برهبة الموقف وبحالة من الخشوع والتطهر ليتحدث عن معاني صادقة من تجربته مع التوبة النصوح. موضوع توثيق الابتهالات الدينية والمساجد في الأفلام العربية بالغ الاتساع وقد يحتاج إلى التناول أكثر من مرة لكثرة الأفلام التي قدمت منذ ثلاثينيات القرن الماضي إلى أفلام العصر الحديث.