المرأة بين رمزية الحجاب وإشكاليات الحداثة

ثقافة 2023/03/29
...

يمكن القول إن الفلسفة الغربية منذ الإغريق كانت تنظر إلى المرأة نظرة دونية وإن جل فلاسفتها لحد ما بعد الحداثة ظلوا يتعاملون معها بالطريقة نفسها من المقت والاحتقار والعدوانية ، إلا القليل منهم  وقف مع المرأة وحقوقها مثل الفيلسوف والمنطقي البريطاني جون استوارد مل في القرن الثامن عشر بعد تأثره بالداعية البريطانية ماري ولستونكرافت (1759 - 1797) التي لم تسلم نفسها من  الفضائح المسيئة لسمعتها من قبل زوجها وكان فيلسوفاً أيضاً..
 حتى بعد وفاتها المبكرة جراء ولادة ابنتها ( ماري شلي)، ولم يشفع لها أنها أصدرت كتابها الشهير ( دفاع عن حقوق المرأة) عام 1792 واعتبرت رائدة الحركة النسوية العالمية التي قادت الموجة الأولى للنسوية، وقد قامت المواجهة بين الفلسفة والنساء اللواتي كانت لهن صلة مع الفلاسفة ( سواء كن معشوقات أو زوجات أو موضوعات فلسفية ) ضمن إطار أشكلة العداوة في تمام  قضايا مرتبطة بالجانب الشخصي أو المجتمعي أو الحضاري التي ترسخت في التاريخ الفلسفي الذي احتشد بروابط العداوة والكراهية التي نجدها تزدحم في قصة الفلسفة، بدءا بسقراط وخلافه الدائم مع زوجته  وتفضيله  نشر فلسفته في الأسواق مع الشباب على مصاحبته للزوجة، إلى إفلاطون والنظرة الدونية للمرأة  كونها غرضاً مباحاً في المتعة لحراس جمهوريته (البوليتيكا) ولا ريب أن تلك العداوة لم تنقطع ، لنجد كبار الفلاسفة أمثال ديكارت،  سبينوزا ، جان جاك روسو ، وكانط ، شوبنهاور ، كارل ماركس ، جورج بتاي..  إلخ  تعاملوا مع المرأة  وكأنها ند ممقوت، وإذا عكسنا المعادلة في حضور بعض النساء في مجال الفلسفة مثل الألمانية المعاصرة حنا ارنت (1906 - 1975)  التي كانت تجاربها مع الرجل قاسية ، كذلك الفرنسية سيمون دو بوفوار (1908 - 1986) التي ارتبطت  بالفيلسوف الوجودي جان بول سارتر بعلاقة خاصة  سجلت انتقاداتها لها في كتاباتها النسوية ، خاصة في كتاب (الجنس الآخر) لذا هنا نتساءل لم وقفت الفلسفة هذا الموقف الشائن ضد المرأة ؟ لدرجة أن كانت الحركات النسوية الغربية قد وضعت مشروعها الكبير في تأنيث العالم ، بما فيه من تمظهراته الفكرية في الفلسفة والعلم (وكذلك في الدين) ونجم عن المشروع بروز تيار من المعرفة التي اختصت بتأنيثها ، باسم الفلسفة النسوية والعلم النسوي والدين النسوي ( في دائرة العالم الغربي في منعطفات الديانتين المسيحية واليهودية  - مع محاولة خجولة في الدين الإسلامي)، لكن الموقف الفلسفي الرافض لوجود المرأة في موقع بارز منتج للوعي الفلسفي ظل صامداً إزاء تلك النظرة الدونية ضد المرأة ، ولم يتزحزح كثيراً باعتقادي، ومرده لسببين : الأول المنشأ الاجتماعي  لمعظم الفلاسفة الغربيين البارزين الذي سيطر على مستوى النظر المختل المنحاز لسلوك الرجل في حساب الفلسفة  ناحية المرأة، والثاني عدم وضع نظرة الفلسفة نحو المرأة من ناحية شكل العلاقة أو محتواها في مصاف الظاهرة التي كانت الفلسفة تعتبرها من خاصياتها، لأن الفلسفة لم تكن تنظر إلى تلك الجهة الفرعية المهملة من منظور انطلوجي  عام وعميق يستفز الفلاسفة بمعزل عن الظواهر الانطلوجية الأخرى ، فقد اعتنت الفلسفة بالإنسان في كله وعموميته ، وعالجت مواقفه معا من دون النظر نحو الاختلاف الجنسي ، إلا في ثمانينيات القرن العشرين، وكشفت في حقبة ما بعد البنيوية  وما بعد الحداثة نمطاً حداثياً في الفلسفة النسوية متعلقاً بخاصية النسوية في الثقافة والنقد الثقافي والسردي عجل بحركة تدخلات الفلسفة في أشكلة الواقع الافتراضي الذي حرصت على نقده  ومناقشته باعتباره واقعاً يمكن نفيه واستحداث بديله في مقولة نيتشه، أن لا وجود للحقيقة إنما ثمة تأويلاتها فقط،  مما  أثار أشكلة التداخل في نمطي التفكير الواقعي والافتراضي (الرمزي) مما سمح للفلسفة بأن تزعم أن بمقدورها حل النزاع بين الرمزية والأشكلة، واستدرجت العلوم الإنسانية في ثورتها الحداثية في القرنين الثامن عشر  والتاسع عشر لمناهجها  وخطاباتها ، بعد خطوة العلم التي نادى بها أوجست كونت، فخاضت الفلسفة في قضايا تتسم بالجدال المعرفي ، مثل القيم والدراسات الثقافية  والمنهجيات، لذا سنقوم بدورنا بدراسة العلاقة بين  رمزية الحجاب وإشكاليات الحداثة التي اعتبرتها الفلسفة والنسوية نقطة تلاق بينهما ، ومحور اشتباك في نقد المركزيات التي ترزح تحتها المرأة.

1 - رمزية الحجاب : من المعروف أن ثمة فارقاً جوهرياً بين الفلسفة والدين  في  الرمزية ، باعتبار أن الفلسفة تنظر إلى الرمز  من جهة  كونه مرجعاً لغوياً ولسانياً، قبل أن يتحول في منظورها المفاهيمي نحو خطاب إشاري، بينما يعتقد الدين بأن الرمز هو مجرد إحالة استقصائية للمعنى في ظاهر  اللغة السياقية، تعمل على كونها بنية أساسية في آلية حركته ، فإذا قلنا ( رمزية الحجاب) فهي  إحالة  على معنى ارتباط الرمز بصيغته الدلالية التي تعول على أشكلة الحجاب ( بالمفهوم الظاهري التستر أو الإخفاء) وبما أن الحجاب هو ليس ابتكاراً دينياً بالأصل، و لا اشتراطاً من جوهره ( في مفهوم المحرم أو المحلل) إنما هو نمط سيميائي يربط بين الوعي الاجتماعي  والممارسة الثقافوية ، والدليل  على ذلك الربط بين الحجاب والحداثة ، وكانت القراءات الفكرية العربية ( مثل قراءة نظيرة زين الدين عن الحجاب والسفور) (1) التي نشأت في نهاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر  ومنتصف القرن العشرين قد ركزت على أن مفهوم الحجاب الذي ترتديه النساء لا يتعلق برمزية الدين ، بل  هو نوع من الأعراف السائدة القديمة قدم الحضارات الشرقية، فلما عرف العالم العربي ضرورة فهم الحداثة ومعرفة حيثياتها، وجد مثقفوها عقبة. 

2 - إشكاليات الحداثة التي فرضت ممارسة الضغوط  في تحرير العقل ، و بما أن ذلك التحرير هو في الأساس تمزيق حجاب الأمية واستيعاب الثقافة ، فكان لا بد من إدراك أن مقياس فهم الحداثة وتشخيص إشكالياتها يتم عن طريق نبذ الحجاب، فالثورة على الحجاب في حقبة النهضة العربية الأولى كان ثمنها معاداة أو هدم فكرة الحجاب بالمعنى الرمزي  الحداثي، وليس الديني، ولما فشلت فلسفة النهضة العربية ( نحن هنا في مجال القياس) ارتدت الضربة للعلاقة ذاتها ( رمزية الحجاب وإشكاليات الحداثة) لكن بصورة رجعية ارتدادية بشعة، في مزاعم أن الحجاب يمثل نسقاً فيلولوجياً للدين ، وأن الحداثة تعتبر من محفزات الخطاب الغربي المهيمن، ولقد أدركت الفلسفة النسوية الغربية تلك المفاصل في تاريخ نضال النساء ، ووضعت مناظرات قيمة لها ، بيد أن عالمنا العربي ما زال يعاني تبعاتها الباهظة ، وفي مقدمته المرأة ، ولكي تنهض من رقدتها ، يجب أن تتبنى الفلسفة كخطاب معرفي حداثي  يضع حلولاً فلسفية وعلمية لأزماتها المستعصية .

1 - رمزية الحجاب مفاهيم ودلالات، الدكتورة  عايدة الجوهري مركز  دراسات  الوحدة العربية