فيليب ويبر.. الإبداع يكمن في التفاصيل

ثقافة 2023/03/29
...

 ترجمة وإعداد: رامية منصور


يقول الرسام الإنجليزي ويليام تيرنر "مهمتي هي رسم ما أراه، وليس ما أعرفه.." أي أن الرؤية البصريّة هي العامل الرئيس في استكشاف المشهد ولاحقا في اكتشاف مواطن الجمال فيه تمهيدًا لطرحها على سطح اللوحة. يتم تعزيز التعبير الجسدي للموديل في اللوحات الفنية من خلال الزخارف في تاريخ الفن والفولكلور، وفي الأيقونات المسيحية وكذلك الأديان الأخرى، ولكن أيضا من خلال رموز التوصيل الأولية للمعنى مثل الماء كرمز للحياة. تفتح لوحات فيليب ويبر مساحات واسعة من الفكر والإحساس للأسئلة الوجوديّة.

طوّر الألماني فيليب ويبر من حيث المحتوى والتقنية أسلوبًا ذا بصمة فردية فريدة. كانت مصادر إلهامه هي الأدب والأعمال السينمائية لزملائه الفنانين، وبشكل أساسي التجارب الشخصية للغاية ورغبات وأحلام الأشخاص المقربين منه.

يقوم فيليب ويبر بإنشاء موضوعات لوحاته في جلسات تصوير فوتوغرافي مع عارضات أزياء محترفات، يقوم هو باختيارهن واختيار الزوايا التي يجلسنَ فيها وحركات أجسادهن ووجوههن، لكنه يترك لمزاجه الفني أن يسرح في تعابير الوجوه التي يريدها وميلان الأجساد وإضاءتها وظلها لتستقرّ في لحظة سكون تظل خلالها الوضعية التي تم الاستقرار عليها عفويّة أو أقرب ما تكون للعفويّة محمّلة بملامح وهالة روح الانثى. إن السعي لالتقاط حقيقة ما في داخل الشخص أو شخصيته هو الذي يتجاوز ما هو ظاهر نحو العمق، وهو ما يؤكد فيليب عليه من خلال تضمين أسماء المرأة في عنوان اللوحة، ومن ثم فإنَّ الموديلات لا تتجمّد في وظيفتها كما لو كانت أشياء للمجتمع الاستهلاكي، ولكنها تقوّض العرض السطحي الجامد وتقدّم نفسها كبشر حقيقيين في بيئة متغيّرة. المحاكاة العميقة تعمل على إنجاح أنسنة الأشياء.

علاوة على ما تقدَّم، تتناقض أعمال فيليب ويبر مع الهوية المثالية للقالب المسبق في ثقافة المجتمعات لدور النساء الذي صنع واقعا ممزّقا وقاسيًا للأنثى، والذي يتقلب في منطقة بين الكيان الطبيعي والمزيف.. تنزلق الأميرات، في لوحة فيليب، متراقصات من أماكن قاتمة وغير محددة في شكل مكاني، كأنّهن منفيات في قلاع تخرق السحاب عُلُوًّا.

يسكن ويبر هاجس البحث الدائم عن الوضوح وأي مرجعيات خارجية ستقوده إلى المربع الأول. دائما ما تكتنف شخوص لوحات فيليب ويبر الكآبة، والتي تؤكد من ناحية على الجمال، ولكن من ناحية أخرى تحركها الرغبة المهووسة إلى مكان فنيّ لا يمكن الوصول إليه.

تشكل الطبقات الأولى أساس اللوحة، وباستخدام أفضل فرشاة يتم بناء اللوحة سنتمترا بعد آخر. تتداخل الطبقة مع الطبقة، وتتطور المناطق المجزأة إلى تفاصيل يمكن التعرف عليها ليصبح الشكل العام بالتدريج مرئيًّا. ينطبق الطلاء على الطلاء مرارًا وتكرارًا حتى يتم تحقيق الكثافة المطلوبة. تمر الأيام والأسابيع. يختبر فيليب ويبر عملية دقيقة ومعقّدة في كل لوحة إنها عملية اكتشاف متجدّد للرسم، لا يوجد خارج قبل الداخل، وفي كل مرحلة هنالك اتجاه واحد هو إغناء تفاصيل اللوحة. في عصرنا سريع الحركة، تعد هكذا لوحة سلعة ثمينة للفنان، ذلك أن فيليب ويبر لا يمكنه رسم صور بهذا النقاء الصريح إلا بوقت غير محدود. وهو لا يقدّم أي تنازلات للسرعة. إما عمل بتقنية عالية صبورة لا تشوبه شائبة أو لا! ثم يبزغ فجر اليوم عندما يصبح العمل كله واضحًا. تبدو الصورة كاملة. ورغم إشادة الأصدقاء والزملاء باللوحة، يبقى الشك والقلق يساور فيبر ويدفعه نحو مثالية أكثر إفراطًا.. ألا يمكن للمرء أن يرسمها بشكل أفضل قليلاً؟ ربما في تلك البقعة ثمة ما هو ناقص! لكن في غضون سنوات من الإمعان في الرسم الواقعي المفرط تتكوّن لدى الفنان سيطرة شبه كاملة على تقنيته ويصبح أكثر ثقة في براعته وهذا ما حصل مع فيليب ويبر. كل ضربة فرشاة تنتج تفصيلة دقيقة، ويفتح الاستخدام المحترف للألوان جميع الإمكانات الفنية لخدمة اللوحة.

إنَّ مصدر قوة فيليب بلا شك هي اللوحة التصويريَّة، والسعي نحو الرسم المثالي لواقع الصورة في اللوحة هو حاجته الملحّة.. وهو يعبّر من خلال كل لوحة بشكل مقنع عن شعوره وشعور جيله بالحياة وتطلعهم إلى عالم قد يشبه عالمنا وقد لا يفعل.

يسمح فيليب ويبر مثل الواقعيين الآخرين بتسرّب بعض من الإيماءات التي لا تتوافق مع فلسفته في التنفيذ الفني للوحة، في سعيه لتكثيف واقعيته المفرطة التي لا يلهيه شيء عنها.

بنظرة تأمّلية إلى تاريخ الفن القديم نجد أن لوحات فيليب ويبر فريدة وأصلية وجديدة، ونادرًا ما نكتشف الاقتباس فيها مقارنة بأعمال أخرى، والبعض منها يثير في نفوسنا ذكريات روعة الباروك في الحرير  والساتان.