سيّار الجميل: سيخرج العراق من نفقهِ الذي كان مظلماً

ثقافة 2023/03/29
...

 حاوره: حسن جوان

كتب البروفيسور سيّار الجميل في إحدى مدوناته على موقعه الرسمي: تحدث الفيلسوف فرديريك نيتشه عن الأمل ووحدة الجماعات. وجد الطريق سيصل بالناس إلى نهايته، وقد احمرّت أوداجهم وتشتت شملهم بتأثير اجتيازهم كل البركان. ويمكن تشبيه هذا بحالة العراقيين اليوم، الذين لم تنقطع أنفاسهم يوما عبر آلاف السنين، سيخرجون قريبا من أتون البركان وعصفه الشديد المخصب بالحمم واللهب والشواظ. وهم يهشمون في طريقهم كل البشاعات، ويمزّقون تراتيل الخرافات، ويبعدون الخوف من الشعارات، فتموت الأحقاد والثارات عن نفوسهم المشبعة بالآلام والقسوة.

ولد البروفيسور سيّار في الموصل/ العراق 1952، دكتوراه في فلسفة التاريخ الحديث/ جامعة سانت اندروس بريطانيا 1982، عمل استاذا في عدة جامعات عربيَّة وأوربيَّة وأمريكيَّة وكندية، له اكثر من أربعين كتابا منشورا وعشرات البحوث بالعربية والإنكليزية، وترجمت بعض أعماله إلى لغات أخرى، ومن أهم كتبه: تكوين العرب الحديث وتاريخ العثمانيين، كما اعتنى بالنقد التفكيكي والتاريخ الاجتماعي والثقافي، وله نظرية الأجيال في تحقيب التاريخ وتفكيك هيكل وزعماء وأفندية، ومن العثمنة إلى العلمنة والعولمة، وكتاب الملك فيصل الأول وغيره. منح جوائز عربية ودولية، وفاز بجائزة شومان 1991 والكوريار 2005 مع درجة سفير السلام العالمي عن الامم المتحدة 2009 ودكتوراه فخرية من هيئة دراسات العلوم الملكية الاسكتلندية 2022. يقيم حاليا في كندا منذ العام 2002. 

 تواصلنا معه فكان هذا الحوار الخاص بـ{الصباح}:

* هل يؤثر المنهج الذي يتخذه الباحث، في طبيعة قراءة التاريخ، وإلى اي مدى - وفق ذلك – تتباين نتائج البحث؟

سيار الجميل: نعم، يؤثر تأثيرا بالغا أن أحكم الباحث العمل بآلياته وتقنياته وأضفى رؤية جديدة من خلاله على " الموضوع " الذي يعالجه، وكلما يتقدم العمر بالباحث تتطور تجربته وتعظم قوته في طبيعة قراءة التاريخ، خصوصا إن كان ذكيا في استدعاء البراهين من علوم أخرى يتمكن فيها. 

إن البحث يبدأ من نقطة انطلاق معينة، ولكن كلما زخر الموضوع من خلال المنهج المتبع كلما نجح الباحث في استحصال نتائج البحث اكبر، وكلما نجح في تقنياته وأسلوبه ورؤيته، لكل الأبعاد المتاحة أمامه، كلما نجح في حصوله على استنتاجات له، فنتائج البحث شيء واستنتاجات الباحث شيء آخر! أان اي " منهج " من المناهج المتبعة والتي توالدت في العالم حتى اليوم لا يمكنها أن تكون ثابتة، بل إنها تتحرك وتتطور، فلابد للباحث ان يلاحقها من خلال من سبقه من المؤرخين، كل حسب منهجه واسلوبه.

وعليه، فإن تبني أي منهج لا يلزم الباحث، أي باحث أن يكون ذلك سجناً له، بل ينبغي عليه التحرر للاستفادة من مناهج اخرى، وربما كان ذلك عند من صقلته السنوات والتجارب، فيبدو ناجحا في اعماله وقد ترى جموعا من الباحثين يبدأ حياته العلمية وينتهي منها، وهو قالب جامد لا يعرف غير ما تعلمه في بواكير ايامه. 


* بوصفك أحد أبرز الباحثين في التاريخ العراقي المعاصر، هل تؤشر إلى خلل في بنية ما، قابل للتكرار، وغالباً ما يؤدي إلى اعاقة استقرار النظام السياسي في العراق؟ 

سيار الجميل: لا تقل يا عزيزي خللا واحدا، فقد ابتلي العراق بحزمة واسعة وركام كبير من الخلل في مختلف البنى، بحيث تجد الانساق غير مستقيمة ابدا طوال القرن العشرين، لاسيما إن عالجنا تاريخ العراق المعاصر، وأعتقد أن الأنظمة السياسية التي تعاقبت في العراق منذ العام 1909 وحتى 2003 كانت بشكل أو بآخر نتاجاً للنظام الاجتماعي، الذي كثرت في بنيته المعاصرة المزيد من النقائض التي تضادد إحداها الاخرى، وأغلبها متوارث أبا عن جد، اي انها بقايا وترسبات ازمنة مضت، فانتجت تلك البنية الاجتماعية، انظمة سياسية عبرت عن أوضاع النظام الاجتماعي بشكل مفضوح، من خلال التجمعات والاحزاب والتنظيمات والمؤسسات.

وعليه لم أجد أن عقدا اجتماعيا قد انبثق بين دولة ومجتمع! ربما نجح رجال التأسيس الاوائل في خلق مؤسسات تخدم المجتمع، ولكن لم أجد اي نظام سياسي حكم العراق في القرن العشرين قد نجح في أن يطور النظام الاجتماعي تطويرا حقيقيا، بل وجدت أن العهود الجمهورية العسكرية منها أو الحزبية الاحادية أو حكم العشيرة والعائلة والقرابة، قد جعلت المجتمع بأسره بين فكيها ومطوقاً بيد السلطة المرعبة!. 

اما الاحزاب السياسية قاطبة، سواء الليبرالية التقليدية أو القومية والشوفينية أو الراديكالية واليسارية، فكلها حملت الانقسام في ارحامها، وكلها انشقت على بعضها، وكلها ادعت الوطنية، وكأن الوطنية العراقية ألبسة ينبغي أن يحتكرها هذا دون ذاك، أو أن تسمية " الوطني" تغدو حقيقة في الاذهان! ومن المؤسف أن أجد أغلب الذين درسوا تاريخ الاحزاب والتنظيمات السياسية يستسلمون لما يقوله زعماء الاحزاب، من دون التعمق في الدواخل وتشريح مقول القول وتفكيك خطاباته وكشف زيف بياناتهم ومعرفة الاخطاء، التي ارتكبها الجميع باسم الوطنية أو القومية أو التقدمية، ودون معرفة المصالح الانوية والشخصية والفئوية والجهوية والسعي نحو السلطة والمناصب بأي ثمن كان. 

هذا مثل واحد يؤشر لخلل مستتر، ويحفل تاريخنا العراقي المعاصر بأمثاله إلى حد مفرط.

الخلل الاخر في مجتمعنا يتمثل بهيمنة فكرة أو عقيدة أو ايديولوجية معينة على مشاعر وعواطف من يعالج الخلل حتى العظم، فيتجاوزه أو يغض الطرف عنه أو يزينه للاخرين بالبهتان، فالقومي لا يدين التجاوزات الشوفينية، وهناك من يدافع عن الملكية اكثر من الملك نفسه، بالرغم من قناعتي ان العهد الملكي برغم اخطائه يعد هو الافضل تاريخيا بالمقارنة مع ما أعقبه من أنظمة جمهورية عسكرية، فمثلا..  ورّث فيها الرئيس الحكم لأخيه، وورث رئيس آخر الحكم لقريبه وهو نائبه.. وهناك الراديكاليون واليساريون، الذين لا يعترفون حتى اليوم بأخطائهم.

العراقيون يصعب عليهم الاعتراف بأخطائهم حتى الموت.. هكذا تربوا في نظام اجتماعي معقد ومركب جدا، مع بقايا مواريث متصادمة دوما. 

ربما يخالفني البعض، ليجعل من العراق في الماضي فردوسا، والحق معه لأنه مصاب بعمى الالوان وليس باستطاعته قراءة الاعماق أو انعدام قدرته على قراءة التاريخ المقارن، أو إيمانه باية ايديولوجية رحلت ودفنت منذ زمن طويل.

فضلا عن هذا وذاك، فإن من أكبر الأخطاء التي مورست هو إيمان العراقيين بالشعارات الوهمية وترديدها، من دون التفكير في واقعيتها أو رومانسيتها، كونها صناعة مخيال سياسي وأن وظيفتها تموت مباشرة حال رحيل هذا النظام أو ذاك.. ربما كان ذلك من قبيل الخوف، ولكن أن تصل إلى مستوى النخب المثقفة، فهذا دليل افلاس تاريخي فاضح! وهذا سياق عرفته وخبرته على كل العهود السياسية التي مرت بالعراق، وهي تورث ضمن سلاسل الاجيال، كما اشرت بالتفصيل إلى ذلك في كتابي" نظرية الأجيال".


* هل تؤيد فكرة "الجغرافيا المعادية"، لا سيّما في ما يتعلق بالمخاضات المتعسرة لنشوء الدولة العراقية المعاصرة عبر مراحلها الدموية وقطيعاتها الثقافية، وكيف لعبت هذه الجغرافيا أدواراً متعاقبة في ضوء هذه الفكرة؟

سيار الجميل: لا استطيع القول في البت بشأن جغرافيتنا العراقية كي اقول إنها معادية أو مضادة لبعضها، ربما كانت جغرافيتنا الاقليمية كذلك بل وأكثر ضراوة، إذ إن العراق منفذه على البحر لا يستقيم وحجمه، وان من الصعوبة ان تتوازن علاقته مع محيطه، في حين أن موقعه دولياً هو في مركز العالم في الماضي والحاضر والآتي، ولكن مقارنة بغيرنا، لاسيما أن تجربتي مع جغرافيات متنوعة تضاريسية وبشرية واقتصادية وسوسيولوجية وثقافية، وبالذات في الدول المركبة، تنفي بأن جغرافيتنا كانت معادية لنفسها بالرغم من كونها مركبّة قبل وجود البريطانيين 1914 - 1918 وهي كانت مكوّنة من ثلاث ولايات عثمانية، ولكن تراصها الجغرافي كان عائقا ازاء التحديات الاقليمية، فضلا عن صناعة القوة الاقتصادية من خلال المسالك البرية والنهرية والبحرية عبر دجلة والفرات وشط العرب والخليج. 

إن فكرة خاطئة قد سادت عند البعض من العراقيين بادعائهم أن العراق المعاصر هو "صناعة بريطانية"، ولكن الحقيقة التاريخية تثبت منذ اكثر من الف سنة، ان العراق هو حاصل جمع ارض السواد جنوبا وبلاد الجزيرة الفراتية (اي: موزوبوتيميا) شمالا وواسطة العقد هي بغداد.  

إن المشكلة ليست في العراق وجغرافيته، بل ان المعضلة هي في العراقيين وتاريخهم، فكلّ طرف له تاريخه الذي يعتز به وينكل بالاخر، بل ويدافع عن تاريخه باستماتة بالغة، هنا يتبادر السؤال: اذا كان العراقيون غير متفقين على تاريخهم ورموزهم، فكيف سيكونون بناة مشتركين في بناء حاضرهم ومستقبلهم؟ المشكلة الاخرى في تصنيفات مجتمعهم ليس بثنائية علي الوردي بين البدو والحضر، بل في ثلاثيته المتصارعة بين المدينة والريف والبادية، وما لذلك من مشكلات مستعصية مثل مشكلة العشائر، والتي حاربتها الانظمة الجمهورية بكلّ سذاجة باعتبارها من مخلفات الملكية، ولكن تبين أن وجودها راسخ في اعماق المجتمع منذ القدم، وسيبقى فلابد من تحييده، بل إن النظام السابق اعتمد على العشائر بتغيير بعض اعرافها لتكون نصيرا له، فشوّه قيمتها في المجتمع، ناهيكم عن مشكلة تفاقمت مؤخرا بشكل لا مسوّغ له البتة، وهي المشكلة الطائفية التي لم تكن مستفحلة كما هو مجتمع لبنان مثلا، بل تأججت في المجتمع العراقي لاحقا لتنهك قوته، وقناعتي انها ستختفي مع مضي السنين لدى الاجيال القادمة.

ثمة صراع جهوي بين البيئات العراقية وخصوصا عندما يعتمد اي نظام سياسي حاكم بفرض ارادة جهة ما أو عشيرة ما أو طائفة ما على العراق كله، فمن الجنون تغييب واقصاء أي طرف واية ثقافة واية شرائح وعليه، فلا يستقيم العراق الا بتجانسه وان تركه غير منسجم سيأخذه إلى مستقبل مظلم. 


* هل يعتبر التنوع العرقي والديني عاملاً معرقلاً لمشاعر أو فكرة الانتماء الوطني وتشكّل الهوية الجامعة، وكيف تتبخر هذه المعرقلات بأكثر أشكالها انحيازاً أمام نصر يحرزه منتخب العراق لكرة القدم؟

سيار الجميل: لا أستطيع البتة أن اقرن اي فرح عارم يحرزه منتخب العراق لكرة القدم بانتصار الفكرة الوطنية وتوّحد الناس، فذلك تعبير جمعي ومجرد عاطفة تبدو جمعية لكل العراقيين، ولكن المشكلة أن كل عراقي أو اي طرف عراقي يعلمنا بأنه محتكر للعراق لنفسه، فقط، بالرغم من سماعه أن العراق متنوع عرقيا ودينيا ومذهبيا وثقافيا. 

أن اي طرف عراقي يسعى للسلطة ليتكلم باسم الوطنية، ولكن طريقته واسلوبه وتفكيره بعيدة جدا عن مفهوم الوطنية والمواطنة. 

ومنذ الثلاثينيات في القرن العشرين حتى يومنا هذا، عملت الايديولوجيات على اماتة اي مشروع وطني في العراق، وهناك اساليب ديماغوجية اتبعت سواء باسم الوحدة القومية، أو باسم الحرية أو باسم الاشتراكية، أو بتوظيف مسميات لا حصر لها لدى كل نظام سياسي افرغ المجتمع من قوته الفاعلة واغراقه بالاوهام. 

هناك امم عديدة على وجه الارض متنوعة الاديان والاعراق والثقافات، ولكن لها مواثيقها الوطنية التي تعلو فوق كل الايديولوجيات والمعتقدات والثقافات.  

هنا في كندا التي أعيش فيها منذ ازمنة طوال اكثر من 216 ثقافة متنوعة يمارسها السكان، كلّ في مجاله ولا يمكن ان يتدخل احد بشأن الاخر، فالقانون يضمن كل الحقوق، ولا يمكن ان ينحاز نظام الحكم إلى اي طرف من الاطراف، والا فإن كارثة ستحّل عاجلا ام آجلا. 

ان العراق لا تعالج مشكلاته من قبل طبقة سياسية، ولا من قبل رجال دين، ولا حتى من نخب أسموها بـ "مثقفة " ولا من قبل فئات معينة، ولا قوة مسلحة. 

إن علاجه بأيدي من يقوده سياسيا إلى شاطئ الحياة بفرض القانون وتطبيقه بقوة وحزم بمعزل عن كلّ الاعراف السيئة، وضرورة فصل الدين عن الدولة ومرافقها قاطبة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب مهما كان نوعه أو عرقه أو جهته أو دينه أو مذهبه.. والمرور في مرحلة تأهيلية لبدء مشروع وطني صرف، يعتني أولا واخيرا بالوعي والتربية والتعليم وبناء الحياة، وأنا واثقٌ أن الاجيال القادمة ستسلك هذا الطريق مهما طال الزمن. 

* ما هو دور النخب العراقية وحتى العربية في المساهمة بانتظام أو تمزيق الاطار المجتمعي أوان البراكين والعواصف؟ وهل تعدّ توزع هذه النخب في تجربتنا العراقية ما بعد 2003 نحو خطابات متناقضة، ظاهرة يجب الوقوف عندها؟

سيار الجميل: مرة اخرى اعيد القول بأن النخب السياسية أو المثقفة ليس باستطاعتها ان تفعل شيئا ازاء الكهنوت المسيطر على الحياة، والذي يقودنا إلى الجحيم، كونه لا يعرف فن السياسة وليس له اي خزين معرفة ولا اية خبرات عملية، فهو معطل للحياة وتقدمها. 

النخب التي لديها نسبة من هذا وذاك منعزلة أو مشرّدة في الشتات أو مهمشة، لأن صناعة القرار مستحوذ عليها من احزاب وربما افراد ثبت فشلهم في الادارة والسياسة والعلاقات والاصلاح.

عندما تتعدد مراكز القوى في اي نظام حكم سيعرض البلاد للفشل مرة بعد اخرى، ولا تقل لي إن العراق يبني تجربة ديمقراطية، بدليل سيادة طبقة سياسية معينة على دست الحكم. 

ان السائد اليوم يتمثل باستشراء الفوضى السياسية، صحيح أن مساحة من الحريات قد توفرت بعد انهيار النظام السابق حيث القمع والخوف، ولكن بالوقت نفسه خرج العراق من خلال احتلال، وهو يعيش فراغا سياسيا وفكريا، وخرج المجتمع من ازمنة سادت فيها الحروب والحصارات، وكم طالبتُ أن يعيش مرحلة نقاهة ضمن طور انتقالي لخمس سنوات على الاقل حتى تتشكل فيه المؤسسات.. ولكن للاسف انتقل العراق من هيمنة داخلية إلى هيمنة الخارج عليه ولم يتوفر على بدائل من قادة بناة حقيقيين لهم وعيهم التاريخي بعيد الرؤية، بل سادت التناقضات بحيث قلتُ عام 2005 منتقدا اصدار دستور سريع بصيغة اي بيان سياسي متحزب ووصفته بـ "دستور يحمل تابوت العراق" !

السؤال:  ما حاجتنا الان بعد مرور 20 سنة على 2003 ؟ العراقيون بحاجة إلى كلمة موّحدة يجتمعون عليها بعيدا عن كل التناقضات والخطايا، العراقيون بحاجة ماسة إلى ان يكونوا كتلة واحدة بوجه الأعاصير القادمة.. العراقيون بحاجة ماسة إلى قيادة ذكية ومخلصة ونزيهة تقف على مسافة واحدة من الجميع .. العراقيون بحاجة اكيدة إلى وطن آمن مستقر لا يفكر الا بنفسه أولا وأخيرا، وبعيدا عن تدخلات الآخرين ووصاياتهم واجندتهم.. فهل سنشهد ذلك يوما؟

إنها رسالة متواضعة ارسلها لمن يهمه أمر العراق والعراقيين أولا وأخيرا.. 


* اذا كنا قد توفرنا على قراءة عادلة للماضي القريب، ورؤية متوازنة لزوايا الحاضر، هل سوف يتسنى لنا ولو بشكل محدود، ومتفائل، أن نستشرف شكل ومحتوى القادم؟ 

ماهي رؤيتك لهذا المستقبل؟

سيار الجميل: امضيت 50 سنة من حياتي في قراءة تاريخ العراق الحديث والمعاصر مع قراءة معمقة لتواريخ مجتمعات الشرق الاوسط ودوله، وأدرك ادراكا مقارنا ومتبادلا مضامين الحاضر وزواياه ومشكلاته المعقدة، وقلت مرارا بأن العراق نفسه يمتلك تاريخا ثقيلا وصعبا ومعقدا، لا يمكن معرفة حاضره الا بامتلاك ناصيته التاريخية، ولا يمكن ان تحدد رؤيتك المستقبلية له من دون استيعاب ذلك الخزين الصعب وربما تقابلك مفاجآت ليست بالحساب ابدا. 

أتوقع أن العراق سيخرج من نفقه الذي كان مظلما، فالمتغيرات تدّل عندي بأن عقارب ساعة العراق كانت متوقفة ولكنها ستتحرك نحو الامام لا الخلف كما كانت سابقا!

أتوقع ان العراق سيكون امام مفترق طرق صعبة هذا العام، بصعود جيل جديد وولادة نخب جديدة، ولكن تخوفاتي باسئلة أطرحها دوما على نفسي، اذ لدي رؤية واضحة لمستقبل العراق من خلال تموجات الاحداث الجارية ومتغيرات الشرق الاوسط ، ولكن دعني لا اكشف عنها الآن، اذ احتفظ بها لنفسي .. لا أقول إلا أن يحمي الله العراق، وأن يبدأ خارطة طريقه على خطى جديدة.