أحاديث المعصومين (ع) في شأن الصوم

استراحة 2023/03/30
...

  مرتضى علي الحلي


ورد في خطبة لرسول الله (ص) في الصوم مخاطباً أهل بيته وأصحابه فيقول: «أيّها الناس إنّه قد أقبل اِليكم شهر الله بالبركة والرّحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهرٌ دُعيتم فيه الى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة.‏ وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب فسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أنْ يوفّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإنَّ الشّقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر ‏العظيم.‏ 

أيّها الناس إنَّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتحة.‏ فسلوا ربكم ألا يغلقها عليكم.‏ وأبواب النيران مغلقة، فسَلوا ربكم ألا يفتحها عليكم، والشياطين ‏مغلولة، فسلوا ربّكم ألا يسلطها عليكم».

«أيّها الناس من فطَّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق ‏رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه».‏ ‏

قيل: يا رسول الله وليس كلنا نقدر على ذلك.‏ فقال صلى الله عليه وآله: «اِتّقوا النار ولو بشقّ تمرة.‏. اِتقوا الله ولو بشربة من ماء.‏ فإنَّ الله تعالى يهب ذلك الأجرَ لمن عمل ‏هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه.‏..‏ ‏يا أيّها الناس من حَسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفَّفَ في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفَّف الله عليه حسابه.‏ ومن كفَّ فيه شرّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصلّه الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل ‏أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور".

‏قال الإمام علي (ع) «كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلاّ الظمأ، وكم من قائمٍ ليس له قيامه إلاّ العناء». وقال الإمام الصادق (ع) «إذا أصبحت صائماً فيلصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وجميع جوارحك». 

وقال (ع) «إنّ الصيام ليس عن الطعام والشراب وحدهما، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغُضّوا أبصاركم عمّا حرّم الله، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تشاتموا، ولا تظلموا، واجتنبوا قول الزور والكذب والخصومة، وظن السوء، والغيبة، والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة، والوقار، والخضوع، والخنوع، وذل العبيد الخيف من مولاها خائفين راجين.

قال اللهُ تباركَ وتعالى في مُحكم كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 183، البقرة. 

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ - هو المكسب الحقيقي والمطلب الربّاني الذي يُريده اللهُ سبحانه لنا ومنّا في حال الصيام. فليس الصوم هو الامتناع عن الأكل والشرب وتناول المفطّرات الأخرى فحسب، و لم يعرض القرآنُ الكريم لهذه الحالة حالة الامتناع عن الأكل والشرب بالأهمية بقدر ما تعرّض للغاية والغرض الواقعي، وهو تحصيل التقوى . 

وحتى أنَّ استعمال القرآن الكريم لمفردة (لعلّ) والتي تفيد معنى الترّجي والطمع في الحصول على ميزة التقوى فيه من العناية الكبيرة بذلك 

بوضوح. 

وإنّما جعل القرآنُ الكريم الصومَ بعباديته المتجسدة ظاهراً بالامتناع عن الأكل والشرب وتناول المفطّرات في النهار مؤقتاً ليكون طريقاً للوصول إلى التقوى فعلاً وسلوكاً. ولذا جاءت مفردة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) في محلّها ووعيها لتفيد بأنَّ ليس كلّ صائمٍ قد يصل إلى مقام التقوى وإنْ سلك الطريق الموصل ما دام لا يُركّز على التعنون بالتقوى في طريقه، ولا يمكن الوصول الى التقوى من دون تقوى من أول الأمر، فالموصل إلى التقوى هو التقوى في الامتناع عن تناول المفطّرات ابتداءً - وأنْ يشغل الصائمُ نفسَه وقلبَه بذكر الله تعالى. 

فيكف نظره عما يحرم النظر إليه ويكف سمعه عن كلّ ما يحرم سماعه من الغيبة والنميمة والغناء وكلام الباطل واللغو ويحفظ لسانه عن جميع المحرّمات اللسانيّة كالسبّ والشتم وقذف أعراض الناس وذكر معايبهم، ويكف بطنه وفرجه عن الحرام والشُبهات.