التمسك بعادات إطعام الصائمين

استراحة 2023/03/30
...

 القاهرة: أ ف ب

يحاول المصريون التمسك بتقاليد شهر رمضان لجهة التكافل مع المحتاجبن وتقديم تبرعات ووجبات إفطار للصائمين، على الرغم من صعوبة الظروف الاقتصادية.

في حي المرج الشعبي شمال شرق القاهرة، قالت مسؤولة في جمعية خيرية صغيرة {السنة الماضية (في شهر رمضان)، قمنا بإطعام 360 شخصاً يومياً.. هذا العام، لست متأكدة من أن العدد سيصل حتى إلى 200 شخص}.


فرصة وحيدة لتناول اللحم

وأضافت المسؤولة التي طلبت عدم ذكر اسمها لخصوصيَّة الأمر، "الطريقة التي يطلب بها الناس الطعام كانت مختلفة هذا العام.. بالنسبة لهم، إنها الفرصة الوحيدة لتناول الدجاج أو اللحم"، في إشارة إلى الارتفاع الكبير في أسعار مثل هذه المواد.

وتشهد مصر منذ أواخر العام الماضي أزمة في إنتاج الثروة الداجنة بسبب ارتفاع تكلفة الأعلاف، ما تسبّب بارتفاع أسعار الدجاج حتى قلّ تقديمه على موائد المصريين، خصوصاً من هم تحت خط الفقر والذيــن تبلــغ نسبتهم نحـو 30 % من السكان الـ105 ملايين.

وتراجعت مشتريات الأسر المصرية تحت وطأة التضخّم المرتفع الذي سجل نحو 33 % في شباط، في وقت سعى المصريون إلى التموّن قبل حلول شهر الصوم.

ويعاني الاقتصاد المصري من تداعيات سنوات من الأزمات السياسيَّة والهزات الأمنية والعنف، تلتها جائحة كوفيد، واليوم من تأثيرات الحرب الأوكرانية، إذ إنَّ روسيا وأوكرانيا هما البلدان الأساسيان اللذان كانت مصر تستورد منهما القمح، كما أنهما كانا مصدراً أساسياً للسياح الذين يزورون بلاد النيل.

وأصبحت العادة الرمضانية القاضية بتوزيع الطعام في عبوات أو أكياس تضمُّ منتجاتٍ غذائية جافة أو وجبات الإفطار الطازجة، ملاذ العديد من العائلات للهروب من الجوع وارتفاع الأسعار.


تكاتف وصمود

وتقول الرئيسة التنفيذية لبنك الكساء المصري منال صالح، إحدى مؤسسي بنك الطعام المصري، إنَّ "المصريين ملتزمون للغاية بدفع الزكاة سواء كانوا مسلمين أو أقباطاً".

وبحسب وسائل إعلام حكومية، فقد تبرّع المصريون للجمعيات الخيريَّة في عشرة أشهر من العام 2021 بنحو خمسة مليارات جنيه (نحو 315 مليون دولار آنذاك). وتقول صالح "90 % منها زكاة تدفع خلال شهر رمضان".

ولا تعدّ الأزمة الاقتصاديَّة الحاليَّة فريدة من نوعها بالنسبة لأصحاب الأعمال الخيريَّة. وتوضح صالح "مررنا بأزماتٍ من قبل.. وكان هناك أيضاً تكاتفٌ وصمود، وكان الناس يتعاطفون مع بعضهم البعض".

وتتابع "حتى لو كانت التبرعات من الأفراد قليلة، نجد مثلاً من يتطوّع للطهي وإطعام من حوله".

حتى قبل رمضان، دقّت الجمعيات الخيريَّة - التي يعتمد عليها عشرات الملايين من المصريين - جرس الإنذار بأنَّ عددَ من يحتاجون الى المساعدات سيكبر في وقت يتضاءل حجم التبرعات.

خلال شهر رمضان، لطالما كان مشهد "موائد الرحمن" الخيريَّة الهادفة الى إطعام الفقراء وعابري السبيل، يتصدّر شوارع المدن المصريَّة عند غروب الشمس.

وينظم العديد من هذه الموائد فاعلو خير، مثل فؤاد، المهندس المتقاعد الذي يبلغ من العمر 64 عامًا والذي يستخدم اسماً مستعاراً لأنَّ مبادرته ليست ضمن إطار المؤسسات الخيريَّة المسجلة في البلاد.

واضطر فؤاد مع مجموعة من أصدقائه هذا العام إلى مضاعفة ميزانيتهم لإفطار المزيد من الصائمين. ويقول إنه، الى جانب معدومي الدخل، "هناك طبقة ثانية من الناس تراجعت أوضاعهم ولكنهم يخجلون من قول ذلك".

طوال رمضان، يقدّم فؤاد وأصدقاؤه الوجبات الطازجة للأسر التي تعاني ضيق الحال وكذلك لعمال المحال المحيطة الذين لم يعد بإمكانهم تحمّل ثمن وجبة ساخنة "قد تكلّفهم 60 أو 70 جنيهًا (دولاران)، وهو مبلغ تحتاجه منازلهم".


"الخير داخل الناس"

ووفقًا لآخر البيانات الرسميَّة لعام 2021، بلغ متوسط الراتب الشهري في مصر 4000 جنيه (129 دولارًا تقريباً).

ومع معدّل التضخم المرتفع وخسارة العملة المحليَّة لأكثر من نصف قيمتها أمام الدولار الأميركي، تضاعف سعر الكيلوغرام لأقل أنواع اللحوم الطازجة ثمناً والتي يطرحها الجيش المصري في الأسواق، ليبلغ 220 جنيهاً، أي ما يعادل أكثر من 18 % من قيمة متوسط الأجر الشهري للمصريين.

ومع عصر العديد من العائلات نفقاتها، كانت ميزانيات الأعمال الخيرية على رأس المقتطعات. 

ويقول فؤاد "منذ أسبوعين، كنت محبطاً عندما أدركت أننا قد لا نستطيع جمع المبلغ المعتاد".

ويتابع "لكن من كان قادراً زاد قيمة تبرعاته.. هناك خير في الناس، وهم يعرفون مدى حاجة البعض حالياً ولا يريدون قطع هذه العادة (الرمضانية)".