الصوم.. مفيدٌ صحياً أم مضر؟

منصة 2023/03/30
...

هنالك موقفان متضادان بخصوص الصوم، الأول يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب، يرون أنَّ الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ، فينجم عنه اضطرابٌ في عمل الدماغ، واختلالٌ في إفرازات الهرمونات وتوقيتات الساعة البيولوجيَّة؛ لأنَّ جسم الإنسان اعتاد أنْ ينشطَ في النهار ويستهلك طاقة، وأنَّ النوم في الليل يعملُ على ترميم ما اهترأ في الجسم؛ ما يعني أنَّ الصوم، وفقاً لهذا الرأي مضرٌ بجسم الإنسان؛ لأنَّه يضطره الى أنْ يسهر في الليل وينام كثيراً في النهار، وأنَّه يسبب السمنة، وله انعكاسات نفسيَّة سلبيَّة يكفيك منها التوتر العصبي، وتعكر المزاج، والنرفزة، والصداع، والدوخة، الناجمة عن انخفاض نسبة السكر في الدم، والخلل في إيقاع الساعة البيولوجيَّة، فضلاً عن أنَّ الصوم يؤدي الى ضعف الأداء الوظيفي، وانخفاض الإنتاجيَّة على مستوى الفرد والمؤسسات الحكوميَّة والأهليَّة، وقضايا اجتماعيَّة أوجعها حسرات أطفال الفقراء واليتامى في العيد.

الموقف الثاني، نبدأه بما قاله الحائز على جائزة نوبل في الطب الدكتور ألكسيس كاريك بكتابه (الإنسان ذلك المجهول) ما نصه: (إنَّ كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطّل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس البشريَّة، وهي وظيفة التكيف على قلّة الطعام)؛ بمعنى أنَّ الصوم يدرّب جسم الإنسان على التكيّف في الأزمات الاقتصاديَّة، فضلاً عن أنَّه ينظّف ويبدّل أنسجتنا ويضمن سلامة القلب.

وحديثاً، يرى علماء نفس وأطباء نفسانيون في أميركا وانكلترا وأوروبا، أنَّ بقاء الإنسان على الروتين والإيقاع ذاتيهما في عمل الجسم، يؤدي الى الكسل والخدر والموت قبل الأوان، بينما التغيير يؤدي الى تنشيط البدن ويمنحه حيويَّة تطيل العمر. وتوصل آخرون الى نتائج سيكولوجيَّة مدهشة بأنَّ الصوم ينمّي قدرة الإنسان على التحكّم في الذات، ويدرّبه على ترك عادات سيئة، ويمنحه الفرصة لاكتساب ضوابط جديدة في السلوك تنعكس إيجاباً على شخصيته هو والمجتمع أيضاً

مثال ذلك أنَّ الصائم الذي اعتاد تدخين علبة كاملة في اليوم فإنَّ تدربه على الامتناع عنها في النهار قد يدفع به الى تركه. وقل الشيء ذاته عن آخر اعتاد على أنْ يغتاب أو يكذب ودرّبه صيامه على الامتناع عنهما شهراً لا يوماً أو أسبوعاً، معللين ذلك بقانون نفسي، هو: أنَّ كثرة التدريب على سلوكٍ جديدٍ يؤدي الى ثباته، وأنَّ الصوم، بهذا المفهوم، وسيلة علاجيَّة لمن يعانون القلق النفسي والاكتئاب والاغتراب الاجتماعي، والسياسي أيضاً.

ولك أنْ تطلعَ على ما يدهشك في كتب: "الصوم" لهربرت شيلتون، و"الجوع من أجل الصحة" لنيكولايف بيلوي، و"الصوم" لجيسبير بولينغ"، مستندين الى ما أكدته أبحاث أنثربولوجيا الأديان بأنَّ فعل الصوم يكاد يكون سلوكاً مشتركاً بين جميع الملل الدينيَّة.

والمدهش اكثر أنَّ مجلة (سيكولوجست) تؤكد ظهور عشرات المراكز الطبيَّة في دول العالم، اعتمدت الصوم وسيلة علاجيَّة تسهم في ضبط الشهوات والتحكم بالانفعالات (الغضب مثلاً)، وضبط اللسان حين يهم بقضم سمعة فلانة أو فلان، وللعراقيين نهدي ما قاله الإمام الغزالي:

(اعلم أنَّ الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف السمع والبصر واللسان والرجل وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيويَّة).

اللهمّ وفق الجميع لجميع درجاته.