محمود فهمي: الواقعيَّة في الرسم هي إرواءٌ لعطشِ المتلقي

ثقافة 2023/04/01
...

 حاوره: نصير الشيخ 


في معرضه «بوليفارد بغداد» الذي يعد الشخصي الرابع دوليّاً والأول في العراق وانطلق في العاشر من آذار/ مارس الحالي، في فضاء «ذا غاليري» ببغداد، ويستمرّ حتى الثامن عشر من نيسان/ أبريل المُقبل؛ قال الفنان محمود فهمي الذي ولد في بابل عام 1962، وحصل على ماجستير فنون جميلة من أكاديمية خاركوف للفنون في أوكرانيا وعضو جمعية الفنون الجميلة الروسية وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية عن مديات تلقي لوحات المعرض:

حقيقة كان افتتاح معرضي كرنفالاً بهيَّاً واحتفالاً واسعاً من قبل الناس الحاضرين ومتذوقي الفن عموماً، قرأت هذا من مستوى التفاعل مع لوحاتي، ومن ثم لمست فرحاً غامراً لديَّ تمثل في كمية إعجاب الناس بلوحاتي وهذا مقابل رائع لما تعبت أنا في رسم وتنفيذ وإنجاز هذه اللوحات المعروضة يأتي هذا بعد انقطاع دام أكثر من ثلاثين عاماً عن أهلي وناسي والحياة الفنيَّة في العراق، ومن ثم شهدت قطاف تعبي وحقيقة هذه اللوحات هي حصيلة اشتغال عشر سنوات من التخطيط والجهد والتنفيذ والتعامل مع التفاصيل الدقيقة لها، ولذا جاءت هذه اللوحات اشتغالا في قمة الدقة وبمعالجات لم تكن سريعة في التنفيذ، وهنا في هذه اللحظات أي ساعات عرض اللوحات اعتبرت أنها جسر تواصل مع الآخرين واستطعت الوصول لما في قلوبهم، وحاكت لوحاتي أحاسيسهم وذائقتهم، ولذلك على قلة الأعمال المعروضة فهي تنوعت في مضامينها وأشكالها حيث «البورتريت ــ الواقعيَّة السحريَّة ـ رومانسيّات»، ولو نظرت إلى لوحاتي الآن تجدها موضوعات بسيطة لكنها عميقة الفكرة، وهذا مهم بالنسبة لي كفنان أشتغل في هذه المساحة، وبودي القول أنا لا أحب على الفنان أن يعقد الفكرة، ومن ثم تظهر متعبة، ولا تؤدي دورها في عملية التلقي.

*هل لنا أن نطلق عنواناً عرضياً لهذا المعرض.. هل هو واقعيَّة سحريَّة بالاستعارة من كتاب أمريكا اللاتينية، أم هو استعادة لواقعيَّة عراقيَّة غائرة في دواخلك وأنت البعيد عن وطنك؟

- دعنا نسمي الأعمال المعروضة «واقعية سحرية او واقعية رومانسية» بشكل عام. أما تنفيذ اللوحات فقد جاء بطريقة «الانطباعيَّة» كتقنية اشتغال وبالإفادة من «الضوء» كمصدر طبيعي وعنصر مهم ومؤثر في لوحاتي المنفذة أمامك. وأنظر جيدا الى أعمالي ترى أنها تتميز بشدة الضوء مع الظل في وحدة هارمونيَّة تحقق فعلها الجمالي مع إيصال رسالة الى الآخر المشتغل في حقل الرسم، إن أشتغل على مصدر الضوء وهي الشمس، الشمس هنا في العراق لها مذاق آخر إن صحَّ التعبير وخاصة في الشتاء صدقني أراها مبعث بهجة وفرح غامر لأنَّها مشعة بقوة وكأنّها تأتينا بكامل طاقتها. ففضلا عن اشتغالي على معالجات أخرى في اللوحة ليكون والضوء والظل او الظلال حاضرا في مساحة العمل الفني، كل هذا لإبراز قيمة «الشفافيَّة»، من هنا أرى أنَّ هذا التلاعب هو ما يمنح لوحتي سمةَ البهجة والإشراق.

* قراءة فاحصة للوحاتك المعروضة، نجد أنَّ المرأة حاضرة بقوة وخاصة «الفتاة العشرينيَّة/ الصبية الناضجة/ الفتاة البريئة»، هل هي برأيك استعادة لذكرى ماضية.. هل هو عشق قديم منبعث بكامل جماله وبراءته؟

- تحضر الفتاة الشابة بهذا العمر في لوحاتي كشيء جميل وأصيل ونقي، وحيث تحضر هذه الفتاة بكل جمالها وأنوثتها فأنا أشبهها هنا كفاكهة شهيَّة ونظْرة كما في أعمال «ستل لايف». وبصراحة تركيزي على هذه الإعمار لأنّي أراها على براءتها وطبيعتها البشريَّة التي خلقها الله عليها، ومن ثم لم تطالها عمليات التجميل وتغيير الملامح البشريَّة. أنا مع الفطرة الإنسانيَّة للفتاة في هذه الأعمار بكل براءتها وخجلها الملائكي.

* لدى مشاهدتنا معرضكم الآن وجدنا عدداً من اللوحات جاءت بطريقة «بورتريت» لعدد من المغنين العراقيين، هل اشتغال جديد ومتفرد، أم هو نواة لمشروع معرضٍ قادم؟

- حاليَّاً لديَّ مشروع فني هو رسم عدد من اللوحات مجسّداً فيها عدداً من المطربين/ المغنين العراقيين الرواد المتوفين وربما ما بعدهم، حاولت جاهدا في هذه اللوحات اقتناص اللحظة التي يعيشها المغني وهو في قمة لحظات انفعاله أمام الجمهور وهي على المسرح «الستيج» وأمامه الميكرفون تحديداً، في محاولة مني لإبراز القيمة التعبيريَّة لهذه اللحظة وجدانيَّاً وانفعاليَّاً وكفكرة مميزة. تنفيذ هذه اللوحات كلها بالقياس نفسه وبمقطع عرضي مركزاً على الشكل «الفورم»، أنظر من هذه اللوحات المطربة مائدة نزهت والمطرب ناظم الغزالي.

* هل ترى أن الجمهورالعراقي متعطش لهذا الفن الواقعي في مجال الرسم، أم أن للوحاتك قابلية جذب هكذا جمهور من مختلف الشرائح والذائقة؟

- أرى أن الواقعية ضرورية في مجال الرسم، صدقاً لأنّها على الأقل توفر لنا حالة إشباع. وبحسب تعليق أحد الفنانين الذين زاروا المعرض قال بما معناه الجملة التالية «حقاً بدأنا نرتوي من الواقعيَّة الفنيَّة بلمساتها العراقيَّة في لوحات الفنان محمود فهمي».. وتبقى رغبات الجمهور وقدرته على التلقي ضروريَّة ولا بدَّ أن تكون في حسابات الفنان في كل زمان ومكان، لأنّني أصدقك القول عبرت اجتماعيا عن حال الطبقات الوسطى في المجتمع العراقي وبشكل محدد وواضح، ذلك لكونها شريحة واسعة شكلت ثقافة مجتمع في العقود الماضية والتي كانت تعيش في بحبوحة اقتصادية وبثقافة حضريّة ومدنيّة إن جاز القول، لذا حضرت في لوحاتي هذه. لذا تجد مفردات هذه الحياة البسيطة (مسجل/ طابوق البيت/ الجدار الرطب/ الحديقة/ الراديو/ الستائر...) ربما يلمس الآخر المبالغة عندي في الضوء كمساقط طبيعيّة، وكذلك مبالغتي ربما في إبراز الجمال الأنثوي للفتاة العراقيّة، كل هذا بمجمله هو تشكل للعلاقات في اللوحة وجذرها الواقعي بيئة عراقيّة عذبة، وبما يعكس وبمرور الزمن عمقها على مستوى الذكريات والمشاعر.

* هل من رسالة توجهها للفنانين الشباب، تعتبرها خلاصة فكريَّة وجماليَّة من خلال حقل اشتغالك؟

- صراحة أقول لهم «اشتغل اللي يعجبك.. اشتغل بدافعك الإنساني وبطاقتك التي تكدر عليها»، اترك موجهات الآخر لك وسطوته عليك. استمع إلى نداءات قلبك، أنظر إلى فيض مشاعرك وهي من تقودك أو تقول لك: اختر أسلوبك بعد اجتهادك أيّها الرسام الشاب وخاصة في الرسم الواقعي، اجتهد واتعلم واستمع ومن ثم نفذ بكل التقنيات، وأقول له لاتستعجل الركض خلف الأساليب المحدثة وأنت مازلت طالبا، حين تحصرُ رؤاك وأفكارك وتنفيذك الفني مباشرة في التعلق بالتيارات والمدارس الحديثة يجعل منك فناناً مقيداً يفقد متعة إدهاش الآخرين.