تأنيث الإرهاب في تونس

ثقافة 2023/04/01
...

 وارد بدر السالم

إذا كان التاريخ ذكوريَّاً بشكله العام، فإن تأنيثه ينضم إلى التاريخ المعاصر للإرهاب بشكلٍ واضح، بوصفه حلقة من حلقات التاريخ التي تؤسس لمظاهر التطرّف الديني الذي ابتكر وسائل متعددة، ليكون في جو العنف والقتل والتدمير، تحت شعارات "إسلاميَّة" صارمة، لا تنتمي الى العصر الحديث ولا حتى إلى القديم الذي قرأناه وتمثلنا جذوره في تاريخيَّة الوقائع المعروفة وغير المعروفة. تلك التي رافقت شيوع الإسلام كدين سلام حقيقي. أما شيوع العنف والقتل بين النساء الانتحاريات، فهو أمر جديد وشاذ في هذه الرسالة السماويَّة.

وهوما سمّته الباحثتان التونسيتان د. آمال قرامي ومنية العرفاوي بـ العمى الجندري في كتابهما المهم "النساء والإرهاب- دراسة جندريَّة" والصادر عن دار مسكلياني- تونس. ليناقش أزمة الإرهاب والجماعات الإرهابيَّة من الباب الجندري وتأثيره المباشر على النساء العربيَّات، لا سيما في دول المغرب العربي. عندما شاعت موجة الإرهاب الذكوري في أكثر من بلد عربي وشيوع التطرف الديني بشعاراته المعروفة الذي مثلته داعش وسواها من العصابات التي تسترت بشعارات الدين.


المؤنث السالب

تونس هي بعض المؤنث السالب في قضية الإرهاب بالأدلّة والأسماء والتنظيمات السريَّة المكشوفة، وبعد هزيمة المؤنث الداعشي التونسي والمغاربي عموماً، سنجد الكثير من التفاصيل والعوامل الخارجية والداخلية التي جعلت من المرأة عنصراً ارهابياً قد لا تقع الأنظار عليه مباشرة، على أساس ذكوريّة التنظيم وقياداته المسلّحة. ولعلنا سنقف  على تفاصيل ذلك في كتاب (النساء والإرهاب - دراسة جندرية) للتونسيتين د. آمال القرامي و منية العرفاوي، إذ تقاسمتا هذا الكتاب الضخم بسبعة فصول ومقدمة شارحة، من الإرهاب والجندر، حتى الإرهاب وتشكّل الهويات، مروراً بجندرة القتال وأدوار النساء داخل الجماعات الإرهابيّة، ورصد علاقات الأسر بالإرهاب، وفي عموم المباحث التنظيريَّة والميدانيَّة، قدّم الكتاب موضوعة مهمة، وكشف ما وراءها عن جوهر وبنية العلاقات بين النساء والرجال في أطر التنظيمات السريَّة التي كشفت الكثير من الفجوات الاجتماعيّة في تشكيل الهويات الأسريَّة، لا سيما أن البحوث الميدانيَّة التي كشفها الكتاب طالت المنتميات الى التنظيمات الإرهابية في أعمار شبابية صغيرة في الغالب (16- 35 سنة) وهذا يعني أكثر من خلل يُشخّص في المجتمعات التي يتولى الذكور قيادتها. ويخرج الأمر من سيطرة الأسرة الى الدولة ومناهجها التربويّة غير الكافية لتهيئة الأجيال الجديدة على نظام تربوي وفكري معتدل.

ولو وضعنا تلك الأعمار الصغيرة في قياسات الوعي سنجد الكثير من الإشكاليات التوعويّة في هذا الخصوص، ولعل الباحثتان وقفتا على العديد من الأسباب التي قادت النساء الى تبني (الجهاد) بأشكاله التي يقال عنها "شرعيّة" كجهاد النكاح سيء الصيت. ونتفق مع المباحث الطويلة، دقيقة الإشارة في أن الخلل الاجتماعي وضعف الرقابة الأسريَّة وضعف الصلة بين البنت وأسرتها، من أسباب كثيرة أدت الى شيوع ظاهرة التمرّد والتفكك والخلاص من مجتمع ذي قيود دينيّة متطرّفة، وجدتها داعش مهيّأة كحاضنات سهلة الاختراق، ومن ثم التلويح بأجور سماويّة عظيمة كلها مساعدات نفسيّة وروحيّة لإنشاء جيل متمرّد، تمكن مؤقتاً من أن ينخرط في صفوف الآخر ليكون أداة سهلة في قيادته نحو حتفه.

الإشارة إلى وجود مواقع التواصل الاجتماعي كعوامل مساعدة في كسب وتنظيم الشباب وبث الأفكار السود المسيئة للحياة والتنوع الديني في الحياة، أمر آخر درسته الباحثتان بعمق ميدانياً ونظرياً خلصتا فيه إلى أنّ هناك هشاشة في شخصيات جيل الشباب، من السهولة أن يتأثر بأفكار دينيّة متطرّفة، فضلا عن وعيه السطحي في فهم التاريخ وقراءته. وهذا التسطيح سببه المناهج التعليميّة البائسة التي يتعلّمها الطالب في دول المغرب العربي. لذلك عبر المشروع الداعشي لأكثر من دولة في تنظيماته الخيطيَّة مستغلاً الفراغات الفكريّة والتعليميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. (أغلب النساء اللواتي التحقن بتنظيم داعش انما كان ذلك بسبب التأثر بالخطابات والفيديوهات والأناشيد الموزعة والتغريدات..)، بذلك فإنَّ مجمل فصول الكتاب كسرت نمطيّة الرجل المهيمن الى إيجاد المرأة القياديّة داخل صفوف التنظيم. ومن ثم نقرأ أدوار النساء في تبني الشر عبر تنظيمات الإرهابيين؛ فهناك الزوجات اللواتي وجدنَ أنفسهن داخل التنظيم عبر أزواجهن، وهناك المتطرفات المقاتلات في صفوف التنظيمات، وهناك المتعاطفات معهن اللواتي يعملن سراً في تونس أو بلاد المغرب، وأنشأن علاقاتهن عبر مواقع التواصل لخداع الشابات والشباب بثقافة دينيّة سطحيّة جداً، وتفسير ما يُراد له من أن يكون عنفاً ووسيلة للوصول الى أهداف داعش بالتخريب والتدمير وقتل المسالمين من الناس، باتخاذ التحشيد العاطفي أولاً ومن ثم التحشيد الفكري الذي يلائم خطط الإرهابيين. وإبراز حلقات وهمية من البطولات المزيفة عبر الانتحاريات والانتحاريين. 


أرامل الحروب

استغلال الأرامل ممن قُتل أزواجهن في الحرب وإثارة مشاعر الغضب فيهن، أمر آخر وظفته عناصر داعش لاستجلاب عدد غير من النساء وإدخالهنّ في حظيرة الإرهاب، في تنمية عقلية مفترضة وصولاً الى أن تكون الأرامل كالعبوات الناسفة في امكنة مختارة في العراق وسوريا على وجه التحديد، وهو ما يعني تجنيد الأرامل الى انتحاريات حسب الطلب. ومع هذه الأمية المفرطة في التعاطي مع الأحداث، سنجد في كثير من فصول الكتاب تمرّداً أنثويّاً على قرارات الرجل وكسر النمطيَّة المعتادة في أن يكون هو المسؤول والموجّه لمثل هذه الحالات. ومن ثم تم إنشاء جيل من المتمردات التونسيات وغير التونسيات في اتخاذ قراراتهن الفردية نتيجة غسيل المخ الذي واجهنه في التثقيف الذاتي والخارجي، لا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي التي غدت نوافذ مشرعة على العالم في تسجيل "بطولات" مزيفة بالتصالح مع الموت، وإقصاء الامتياز الذكوري لصالح المرأة (المجاهدة) والتي ثبت أن أميَّة داعش وتوجهاته الدمويَّة العنيفة، هي نتاج قراءات قسريَّة للدين وتشريعاته القاضية بالسلام.

"النساء والإرهاب" سِفْرٌ طويل ومتشابك بالأدلة والمعلومات عن انتحاريات تونس، الخاضعات لغسيل ديني سطحي، والمؤاخيات لتنظيم داعش وعناصره الدمويّة كما اتضح واقعياً من سياق البحوث الميدانيّة التي عملت عليها الباحثتان.