سنة أولى نقد

منصة 2023/04/02
...

  هدى عبد الحر


تنقلُ لنا المدوّنات التاريخيَّة خطرات نقديَّة قديمة منسوبة لأم جندب زوج امرؤ القيس التي حكمت بينه وبين شاعر آخر اسمه علقمة بن عبدة أو علقمة الفحل في قصة شهيرة جدا تنتشر في أغلب كتب تراث الأدب العربي، ولكن تلك المدوّنات تصمت ردحاً طويلاً من الزمن فلا نجد نقدا منسوباً لامرأة إلّا بعض الخواطر والنتف النادرة، بينما تظهر شواعر وساردات في حقب مختلفة.

وفي العصر الحديث ظهرت كتب نقديَّة ذات طبيعة أكاديميَّة مدرسيَّة كتبتها نساء بحكم كونها جزءا من متطلبات شهادة الماجستير أو الدكتوراه، وقد برزت فيهن أسماء لها توجه نقدي يشار له، ولكن أتساءل بخبرتي المتواضعة، هل هناك ناقدة حرّة ظهرت من رحم حراك ثقافي لم تجبرها متطلبات الدراسة أو الوظيفة على تدبيج دراسة أو بحث، من هي.. وما هو نتاجها، أكيد هناك، ولكنني لا أعرفهن ولم أطلع على نتاجهن ولا أعرف كيف قوبل عملهن النقدي. ولكن هذا التساؤل المشروع بالنسبة لي جاء بعد إصداري لكتابي الأول (رحيق الربيع الأول) وفيه مقالات تناولت فيها مشاريع شعرية بالنقد.

 وما أحبّ أن أطرحه في هذه المقالة هو ردود الفعل التي واجهتها بوصفها نسقاً معرفياً عن (طبيعة) وسط ثقافي ما أزال بعيدة عنه جداً بحكم ظروف كثيرة، كيف تعامل مع امرأة (تدعي) إنّها ناقدة مع لحاظ أنني لا أدعي تمكني من أدواتي بقدر ما أظن أنني تجاوزت مرحلة الانطباع إلى الدراسة المبنية على أسس علمية، ومن ثمّ فالتعامل كان على التوصيف العام (ناقدة)

لحظة صدور الكتاب رحّب به كثر من أساتذتي، بل كتب عنه بعضهم مشجعين وداعمين في صفحاتهم وأشاروا له ومنهم من عرضه في مقال.

أما أغلب الزملاء فقد أشادوا بعد قراءة الكتاب بأنّه جيد وأن متابعتي للظواهر الشعرية كانت ناجعة.

ومن بين تلك الآراء التي وردت ونشرت في صحف عراقية وعربية ورسائل وصلتني منها:

 * إن الكتاب من الكتب المهمة التي تستحق القراءة والدرس والاهتمام، اذ سلط الضوء على شعراء وكتب ومواقف مهمة تحتاج الى مزيد من التنقيب والدراية والتدبر. 

* امتاز الكتاب بجمال الاسلوب ورقي الطرح وروعة التحليل الذي ينم عن رؤيا نقدية طويلة الباع وتنوع الموضوعات حتى أن بعض الشعراء لم تكن اسماؤهم معروفة لولا رحيق الربيع الأول. 

* حظيت الباحثة في مقاربتها للنصوص حضور موضوعات الطفولة والحنين والشجن والغربة، والاغتراب، والذكرى، والتيه.

هذا الاحتفاء الذي لم أكن أحلم به، أو أتوقعه وضعني قبالة مسؤولية كبيرة، إذ إن إشارة الاعتراف الضمنية بقبول وجدية ما أكتبه تعني إن ما كنت أسمعه أو أجده مكتوباً حول محاربة المرأة من مجتمع ذكوري قامع لم يكن دقيقا، وأن الرجال يحتفون بمنجز امرأة من دون أية اشكالات أو عقد.

ولكن ثمّة جانب آخر في هذا الاحتفاء- قد يكون خافٍ عنّي لحظة الشروع في الكتابة - وهو يتعلق بما طرحته في كتابي، هل هو نقد فعلاً أم أنه أقرب إلى القراءات الاحتفائية التي لا تتعمد البحث عن عيوب النص بقدر ما هي عرض لمحاسن النصوص.. لذا قُبل الكتاب من دون اعتراضات حتى الآن.

في الحالتين أجد أن تجربتي البسيطة في كتابة (نقد) وضعتني على أعتاب خطوة جديدة ستكون في ذاكرتي دائما حينما أكتب أي حرف جديد، وهي أن ما يشاع شفاها من إشاعات ثقافية قد لا يمت إلى الحقيقة بصلة.