ابتكاراتٌ تدعم شركات الدولة والقطاع الخاص

ريبورتاج 2023/04/02
...

   علي غني

أعترف أن العقلية العلمية العراقية لو استغلت بنحو صحيح، فأنا متأكد تماما ان العراق سيتحول إلى عصر الصناعة والزراعة والاكتشافات العلمية بسرعة غير مسبوقة، فكلُّ زائرٍ إلى المعارض العلمية في الجامعات والمدارس ستصيبه الدهشة، هل من المعقول أن يصنع طالب في الهندسة طائرة مسيرة وبمواصفات فنية عالية؟، أم هل من المعقول أن يصنع رادارا بمواصفات فنية كبيرة، وهل تتخيل أن طبيبا بشريا يمكن ان يطور أحد اجهزة الفسلجة العصبية؟، فتعالوا معي لنطلع على نتاجات طلبتنا واساتذتهم من ابتكارات في (معرض النتاجات العلمية الثاني)، الذي أقامته جامعة بغداد، بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور نعيم العبودي.

ابتكار الوظائف

ربما أتاح لنا رئيس جامعة بغداد الاستاذ الدكتور منير السعدي هامشا من الحرية بالتجوال في معرض النتاجات العلمية لطلبة واساتذة الجامعة، الذي أكد لي، أننا نعول على الجانب الابداعي في ابتكار الوظائف وفرص العمل التي هي عديدة، لو تأملنا ما يفكر به اصحاب العقول الابداعية، فلذلك نحن نسعى إلى معرض آخر ربما سيكون المفاجأة الكبرى على مستوى العراق.

استأذنت من السعدي الذي تربطني علاقة وطيدة به منذ زمن، لأغوص بين مئات الابتكارات التي لو أردت أن أفك طلاسمها لاحتجت لأيامٍ عدة لهذا الامر، فقلت لتكن البداية بمن مجموعة من الشباب الذين تخرجوا للتو من اختصاص طب الحياة، وهم (حسن احمد ومصطفى كامل ونورة بشير)، الذين تمكنوا من صنع (جهاز مساعدة عمل البطين الايسر) والذي كلفهم (800) دولار، واذا ما حاولنا حسابه بتكلفة الجهاز المستورد فسيكون بـ(50) ألف دولار، فحقا هم  يستحقون المركز الاول لمشاريع التخرج من كلية الهندسة جامعة بغداد (هندسة الخوارزمي)، بل هم حصلوا عليه.


متحسس للغازات

واذا كانت المجوعة التي صنعت جهاز مساعدة عمل البطين الايسر حصلت على المركز الاول لمشاريع التخرج من كلية الهندسة جامعة بغداد، فالدكتورة عليا عبد المحسن من كلية التربية للعلوم الصرفة ابن الهيثم /قسم الفيزياء، استطاعت تصنيع جهاز متحسس للغازات يمكن الافادة منه الكشف عن الغازات السامة، التي لا يمكن التحسس بها، وقد استفادت من البحث وزارة الدفاع العراقية، وكذلك تمكنت من صنع طلاء للكتب القديمة جدا والمتهالكة بأنواع من البوليميرات القليلة الكلفة التي تعمل كحجاب فاصل بين الرطوبة والتآكل وأشعة الشمس، والأشعة فوق البنفسجية، ما دفع السفيرة الاسترالية أن تتباحث مع الكلية لغرض التعاقد معها.

لأنتقل للطالب عباس جاسم المرحلة الثانية في كلية الهندسة جامعة بغداد/ قسم الكهرباء، الذي صنع نموذج طفاية حريق طائرة، يمكنها أن تجنب مستخدمها خطر الحرائق بكلفة بسيطة جدا، بينما تمكن كل من ياسين معتز ومسلم وزير وعلي شايع من صناعة (درون اكس) تخدم قطاعات عدة، منها الدفاع  المدني والزراعة، وبإمكان هذه (الدورن) تجنب العوائق، وتقول المجوعة التي صنعتها (منتج فريد في العالم)، واما الاستاذ المساعد الدكتور انمار حامد علي من جامعة بغداد كلية الهندسة/ قسم الطيران، فإن طائرته التي صنعها يمكن أن تفيد بالتصوير لأغراض عسكرية وتدريبية، وكلفتها لا تتجاوز الـ(50) الف دينار، في حين ان المستوردة تكلف الدولة اكثر من (300) الف دينار.


البصمة الوراثيَّة

وأعود إلى ابتكارات كلية علوم الهندسة الزراعية التي تشكل نسبة كبيرة من المعرض، فهذا مشروع البصمة الوراثية الذي تقوده نساء مبدعات هن كل من (م.د. نهلة حمودي والكيمياوي الاء داغر كاظم)، وتتلخص فكرة البحث هو إنشاء أول بنك جيني متخصص في العراق، من اجل المحافظة على الاصول الوراثية لنخيل التمر، اذ إن من أهم المشكلات التي تواجه التوسع في الزراعة، هي الاختلافات الوراثية والبيئة الكبيرة جدا، ما يجعل صعوبة التمييز بين الاصناف المختلفة في المراحل الاولية اضافة إلى وجود اكثر من اسم للصنف نفسه بين المناطق، اذ تطوير العديد من مؤشرات (الدنا) يعدُّ من أهم الجوانب التطبيقية في مجال البصمة الوراثية. 

ويقودني الدكتور سعد طارق عبد الملك مقرر قسم الوقاية في كلية علوم الهندسة الزراعية، إلى جهاز اكثار الديدان حول مخلفات الاغذية ليحولها إلى سماد عضوي، ويستفاد من افرازات الديدان لاستحثاث مقاومة ضد المسببات المرضية من النباتات إلى الحافظة النانوية، التي صنعتها الاستاذة الدكتورة حليمة زغير، والتي تستعمل في الحفاظ على جسم الباحثين من خطر التعرض للمواد النانوية، وانا أواصل جولتي بالمعرض حينما رأيت فريق العمل في قسم البستنة وهندسة الحدائق، الذي يقوده الاستاذ المساعد الدكتور صلاح حسن جبار، والاستاذ المساعد الدكتورة نازك حقي خليل والاستاذ المساعد ياسمين فاضل سلوم، وهم يقومون باستبدال العطور الصناعية المستخدمة في صناعة الشموع، بزيوت عطرية مستخلصة من أنواع نباتية تمتاز برائحتها العطرية المميزة واستعمالاتها.


الزراعة المائيَّة

وربما لم سمع بالزراعة المائية، لكن الاستاذ الدكتور نبيل جواد رئيس قسم البستنة وهندسة الحدائق،  قد عرض عليَّ ما صنعه قسمه من محاليل مغذية بديلة عن المحاليل المستوردة محضرة من أسمدة محلية لنشر ثقافة الزراعة المائية، التي تقلل من استخدام المياه بنسبة 80‎%‎ وربما تستفيد وزارة الزراعة اكثر من ماكنة تفقيس بيض الدواجن، التي أشرف عليها الاستاذ الدكتور عبد الرزاق عبد اللطيف والاستاذ فائز فوزي من قسم المكائن والآلات الزراعية والتي قدمها طلبة الزراعة (موسى اسماعيل وملاك بسام وسهاد ستار وزينب ابراهيم)، اذ تستطيع هذه الماكنة تفقيس البيض خلال (21) يوما تحت ظروف بيئية مناسبة، وهي سهلة التصنيع والاستخدام والصيانة، وكلفتها قليلة مقارنة بالمستورد.

وترى الدكتورة رواء غالب من كلية علوم الهندسة الزراعية التي عرضت قسماً من منتوجاتها (منتج عضوي من نبات الشوندر) مرمم للبشرة خال من المواد الحافظة ومجرب، ونحن نأمل أن تتعاقد مع معامل الزينة، بينما ترى زميلتها الدكتورة ياسمين فاضل أن فكرة مشروعها القائم على استبدال العطور الصناعية بالعطور المستخدمة لصناعة الشموع بعطور مستخلصة طبيعية من الفواكه والخضر مع زملائها، يمكنها تنقية الأجواء لأن الأبخرة، التي تتطاير من العطور الطبيعية غير مضرة بصحة الانسان، بينما ترى الدكتورة لمياء خليفة أن مشروع زراعة الانسجة النباتية وتطبيقاتها العملية، تكمن فائدتها إكثار النباتات الضعيفة الإكثار في الطبيعة والنادرة، وإنتاج نباتات خالية من الامراض الفيروسية.


الموت البطيء

وقد تندهش اذا وجدت مركز بحوث السوق وحماية المستهلك يعرف لك الموت البطيء؟، وهو يحذر من الاستهلاك اليومي للأغذية المعلبة، لأن استهلاكها يشكل خطراً على الصحة، وقد تسبب الكثير من الأمراض منها تضخم الكبد وأمراض الجهاز الهضمي، وضعف في النمو وقلة في المناعة والسرطان، وهذا هو الموت البطيء، فهل تسلمت الرسالة، لترد كلية العلوم الزراعية بقيادة (م.د مها علي حسين) على الموت البطيء بإنتاج نمط غذائي متكامل ونظيف بيئيا، وفقا للمعايير الصحية العالمية بتكلفة منخفضة وببدائل متوافرة محليا وتوفير العملات الصعبة، التي يتطلبها توفير منظومات الإنتاج المتعلقة بإنتاج هذا النمط عالميا.


طائرةٌ مسيّرة

وإذ أعود لكلية الصيدلة جامعة بغداد، لتتمكن المدرس المساعد زهراء سهيل ناصر بتصنيع قطرات استنشاق اليوكاليبتوس العراقي، لاستعمالها في علاج نزلات البرد إلى جهاز تخطيط إعصاب العضلات، التي تم تطويره بما يخدم البحث العلمي من قبل الدكتور بلال معروف اختصاص فسلجة عصبية في كلية طب الكندي إلى الطائرة المسيرة، التي صنعتها المدرس المساعد في كلية العلوم جامعة بغداد قسم الفيزياء بمساعدة المهندس حسام عبد الكريم، الذي صمم الطائرة وبمعاونة الدكتورة بيداء طاهر استاذ مساعد مقرر قسم الفيزياء، والتي تبلغ تكلفتها (12) ورقة في حين المستوردة تبلغ تكلفتها (25) ورقة، وهذه الطائرة كما يقول اختصاص الطائرات المسيرة وسام عبد الكريم أنها يمكن التحكم بها، والإضافة عليها ويمكن التحكم بالكاميرا، بينما في المستوردة تكون كاميرا واحدة، وجميع المعلومات مبهمة.

بينما ترى الدكتورة فادية فؤاد من وحدة أبحاث النخيل، أنها تمكنت من استخدام حبوب اللقاح في الصناعات الدوائية والعلاجية ومستحضرات لمشكلات البشرة كونها مصدر أولي آمن، كما استطاعت وحدتنا من انتاج سكر من ثمار التمر، يستخدم في التحلية، وكذلك يحتوي على المغنسيوم والبوتاسيوم بكميات عالية، لذا نستطيع عدّه من المكملات الغذائية.


عقليات علميَّة

ورأت الدكتورة هند لؤي عبد الحميد من كلية التربية للبنات/ رياض الأطفال، أن ما قدمته من منظومة العاب (ماريا منتسري)، هي ترفيهية وتعليمية تعلم المهارات الأساسية في الحياة، ويمكن الافادة منها في الصف الأول الابتدائي.

وقد أختم ببنات كلية الفنون الجميلة اللائي شكلن لوحة فنية في المعرض غاية في الجمال لا تحتاج إلى تفسير، بل تحتاج إلى تطبيق ومزيد من الدعم المادي والمعنوي للمواهب، كما تقول زميلتهن هدى.


ذكاءٌ نادر

لم أكن أتوقع أن هناك عقليات علمية كبيرة في صفوف الطلبة بل امتاز بعضهم بذكاء نادر، كما رأيت من خلال التجوال في المعرض، هناك اساتذة حريصون على المشاركة الفعلية في تغيير واقع الصناعة العراقية، ويمكن النهوض بها، اذا أخذت الأفكار التي تم عرضها بمحمل الجد، وأنا بحدود المسؤولية الصحفية، أتمنى من رئيس الجامعة ووزير التعليم العالي والبحث العلمي أن يوجها دعوات خاصة للمستثمرين الحقيقيين واصحاب النزعة التطويرية، بعيدا عن الضجيج لدراسة ما عرض بالمعرض بموضوعية والتحرك، لاستقطاب الطاقات العلمية ودعمها معنويا وماديا، وهذا هو عين العقل.