ونحن على أعتاب الجفاف : كيف ينظر العراقي إلى ملف المياه؟

ريبورتاج 2023/04/02
...

 ذوالفقار يوسف

استيقظ أحمد، ولأن أول الأشياء التي يقوم بفعلها هي غسل وجهه، ذهب إلى صنبور المياه ليتفاجأ بعد فتحه بخلوه من الماء، بغضب المزاجيين الذين يستيقظون من نومهم للتو، انطلق مجددا نحو خزان المياه الموجود في بداية المنزل، ليُصطدم بواقع تكرار الحالة، لقد سمع صوتا غريبا يخرج من فوهة الصنبور، كأنه صوت منادٍ يصيح "النجدة"، التفت أحمد يمينا وشمالا، شرقاً وغرباً، كأنه العراق وهو يبحث عن الماء.

لعبت الدول الإقليمية مع العراق دوراً مهما في أزمة الجفاف التي نعهدها في هذا الوقت، فرفض مشاركة المياه وعدم الموافقة على الاطلاقات المائية، وحرمان العراق من حصته المائية صار يتكرر يومًا بعد آخر، وبالرغم من المناشدات والمبادرات والزيارات، التي تقوم بها الحكومة لهذه الدول، إلا أنها غير مصغية لجدية هذه المطالب، بالرغم من معرفتها بأهمية هذا الملف بالنسبة لجميع البشر وليس للعراقيين فقط.


"المبردة" حرجة جداً

ولا يخفى على الجميع بأن الصيف قادم لا محالة، اذ هو ذلك الموسم الذي تنقطع به نسائم الراحة التي نعهدها في موسم الشتاء، وها نحن على أبوابه خائفون، فهذه السنة ليست كمثيلاتها السابقات، الجفاف سيرافق الصيف هذه المرة، وحتى إن تحولنا إلى صبارة، سنذوق مرارة هذا الموسم كما ذقناها من قبل، سلوان عادل (33 عاما) أحد أولئك الخائفين، نقترب منه بروية، نحن نعرف أن المواطن العراقي في هذا الموسم مختلف، دائم الغضب، ولا يتحمل نفسه، لذلك بابتسامة كاذبة ابتسمنا لنسأله، ما هو رأيك بملف المياه في العراق؟، أجابنا وهو يمسح العرق عن جبينه ويعود ليمسحه بطرف قميصه "مصيبة، قلتها سابقا إن الخطر الأول ليس الفساد، لا ضياع الثروات أو انعدام السيادة أو نفاد النفط أو....الخ، إنه الجفاف هو ما يهدد العراق، ولا بد من التعجيل بحل هذا الملف، فالحياة لن تستمر حينها، اذا استمر 

الوضع على هذا الحال، في أحد الأيام قلت لوالدتي، وهي امرأة كبيرة في السن، سيأتينا الجفاف ووضعنا المائي حرج جداً، وسنموت عطشاً في أحد الأيام، اجابتني "يمه عوف هالسوالف وكوم خلي صوندة 

المي عالمبردة".


حبٌ من طرف واحد

وبينما يحاول سلوان أن يعلم والدته طرق ترشيد المياه، انطلقنا نحو منطقة الحسينية في شمال العاصمة، لنجد هناك المئات ممن يعانون لأيام للحصول على مياه الإسالة، فوصل بهم الأمر إلى شراء خزان سعة الـ 1000 لتر يوميا لسد حاجتهم، فهذه المدينة شبه منكوبة بسبب قطع ماء الاسالة عنها، أمير علي (45 عاما) يؤكد لنا أن انقطاع المياه عن المدينة أحيانا يستمر لأكثر من يومين، وإذ توفر فهو سيئ جداً لما يحتويه من الأطيان والميكروبات".

تحدثنا بشيء من الامل، أنه عسى ولعل ستفرج في قادم الأيام، فحكومة العراق تسعى لحل هذه الازمة، ليجيب وهو يضحك بسخرية "هذا واقع مدينتنا قبل وجود هذا الحكومة والتي سبقتها، لا تدعوني باليائس، بل واقعنا يقول ذلك، فكيف ترى أن الحكومة تقدم مساعدات إلى تركيا وسوريا عند تعرضهم للزلازل، وعندما نطلب مساعدتهم في ملف المياه يتم الرفض، هل اصبحنا نستجدي من الدول المياه ونحن أصحاب الموازنات الانفجارية، ولدى هذه الدول المئات من الأسباب التي تجعلها تنصاع إلى طلبنا، مثل الاستيراد والسياحة وغيرها، هل بإمكاننا تسميته بالحب من طرف واحد؟!".


نعم للترشيد 

ولم يكن حب العراقيين للماء مشروطا كما بقية البشر، وبالرغم من أن شرط الحب هو ضرورة الترشيد، صار المواطن العراقي بعيدا كل البعد عن هذا الالتزام، ودام التهديد يرافق كلَّ من سمع بأخبار ملف المياه في العراق، فتركيا وإيران تتعديان على حصة العراق المائية، الفلاح العراقي كذلك، لتكتمل سلسلة الاعتداءات هذه بالمواطن العراقي الذي لا يأبه إلى ما يمر به البلد من هذا التهديد، فتراه يخرج وقت العصر ليسحب خرطوم المياه ليملأ الشارع بالمياه بقصد النظافة، آخر يغسل عجلته في اليوم الواحد مرتين، الحاج سليم جاسم (55 عاما) يحاول قدر استطاعته ألا يهتم لهذه المشاهد، إلا أن إطلاعه المستمر على الأخبار كمتقاعد، جعله يستشيط غضباً كلما رأى هؤلاء المبذرين، يقول سليم "لا أستطيع فعل أي شيء، على الرغم من أننا كمواطنين نتشارك مصيبة الجفاف سوية، إلا أن اللامبالاة من هؤلاء جعلت من هذا الملف اكثر خطورة مما تقوله الاخبار اليومية".

سعد هاشم (39 عاما) هو الاخر يندب حظه والعراقيين ويناشد الحكومة التركية بان ترحم العراق، وألا تتعدى على حصته المائية، ويتساءل ويقول: "لا تبعد المياه التي توجد في سد إليسو التركي عن نهر دجلة بأقل من 70 كم عن الحدود العراقية، أليس في قلوبهم رحمة ليقطعوا علينا 

المياه؟!".