«برنادين ايفاريستو» تقلب تاريخ تجارة الرقيق رأساً على عقب

ثقافة 2023/04/02
...

 عدوية الهلالي 

تخليدا لذكرى عشرة إلى اثني عشر مليون أفريقي تم أسرهم إلى أوروبا ثم إلى الأميركتين وتحية لأحفادهم، صدرت رواية «الجذور الشقراء» للكاتبة برناردين إيفاريستو منذ سنوات، وتمت ترجمتها الى اللغة الفرنسيَّة في شباط الماضي في دار غلوب للنشر. والكاتبة ايفاريستو هي أول امرأة سوداء حصلت على جائزة البوكر المرموقة لتصبح وريثة لتوني موريسون التي كانت اول كاتبة سوداء تحصل على جائزة نوبل للأدب. وتطرح رواية (الجذور الشقراء) العميقة قضية ما زالت مثار جدل حتى يومنا هذا، وتقترح سؤالا يحمل عدة أبعاد، فلأن الجذور لا تموت، ولأنها أصل الحياة؛ ماذا لو انقلب تاريخ تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي رأسا على عقب، واستعبد الأفارقة الأوروبيين؟ كيف يمكن أن يغيّر هذا الانقلاب الطرق التي يبرّر بها الناس سلوكهم اللاإنساني؟ وكيف سنختبر مواقفنا الثقافية، والعنصرية، التي لا تزال باقية حتى اليوم؟

إنّها قصّة خياليَّة للكاتبة برناردين إيفاريستو، وهي ناشطة وكاتبة مسرحية بريطانية، ورئيسة الجمعية الملكية للأدب والتي تطرح سؤالا مهما: ماذا لو غزت أفريقيا العالم؟ وماذا لو أصبح السادة عبيدًا؟ ففي هذه الرواية، نرى هذا العالم المأساوي بعيون دوريس، الفتاة الإنجليزية التي اختُطفت من بلدها، ونُقلت إلى «العالم الجديد»، وتم استعبادها، فهي تروي تجارب المشقة الهائلة التي عاشتها، وأحلام العبيد، وصراعهم الطويل من أجل الهروب، عبر نفق ضيق ومظلم.. إلى الحرية.

نُشرت رواية (الجذور السوداء) منذ 15 عامًا، في عام 2008، تحت العنوان نفسه، باللغة الإنجليزية. وكانت واحدة من أولى روايات برناردين إيفاريستو، الكاتبة الأكاديمية المولودة في لندن عام 1959، لأم إنجليزية وأب نيجيري. ومنذ ذلك الحين، ظهرت لها العديد من الكتب الأخرى، وحصلت على جائزة بوكر، التي تعادل في بريطانيا جائزة جونكور الفرنسية للأدب، وتأخذنا هذه الرواية داخل رؤوس النساء البريطانيات من جميع الأعمار، ولكن جميعهن تقريبًا من النساء السود.

كتبت برناردين إيفاريستو بإسهاب عن موضوع العنصرية هذا وعن الحياة السوداء في المملكة المتحدة فهي كاتبة وناشطة وكاتبة مسرحية ملتزمة جدًا، لذلك تخيلت في (الجذور الشقراء) كوكبًا غزت فيه أفريقيا العالم، حيث يرزح فيه البيض تحت نير العبودية. وهكذا نتابع مصير دوريس، وهي ابنة مزارعين إنجليز، اختطفها المهربون وتم بيعها لأفريقيا، فاشترتها أسرة ثرية لتصبح رفيقة لابنة تلك الأسرة، ثم بيعت لمالك أرض قوي. 

وأصبحت دوريس مساعدة هذا المالك التي لا يستغني عنها واصبحت من النخبة المحسودة من العبيد. لكنها نشأت، بالطبع، وهي تحلم بالحرية تحت الأرض، في أروقة المترو المنسية حيث تشكلت خلية مقاومة حيث ينظم العبيد السابقون والإنسانيون السود عودة العبيد الأكثر شجاعة إلى ديارهم. اما دوريس فيتم إرسالها للعمل في الحقول، في الجزر البعيدة، كشكل من أشكال العقاب. وهناك تكتشف ثقافة عبيد المزارع، ومن المفارقات أن تعيد الاتصال بجذورها بشكل غير متوقع. فكل شيء يقال بدقة كبيرة في هذه الرواية.

ففي عالم خيالي، حيث نجد كل الأساطير المقلوبة عن عالم العبيد في الولايات المتحدة، مثل مترو الأنفاق هذا الذي يشير إلى «طريق السكة الحديد» الشهير تحت الأرض والذي لم يكن يشبه قطار الأنفاق، ولكنه كان مكونًا من الطرق، والشبكات التي استولى عليها العبيد الذين فروا من ظروفهم والتي سردها الروائي الأمريكي كولسون وايتهيد في رواية تحت عنوان (السكك الحديدية تحت الأرض). لذلك تعكس برنادين ايفاريستو تاريخ البيض والسود بدقة كبيرة. وفي خضم القسوة التي لا توصف، يكون الأمر مضحكًا في بعض الأحيان، خاصةً عندما تتناول المؤلفة التفاصيل المادية – مثل شرائع الجمال التي تراها في هذا العالم سوداء – وحيث يتمنى الأشخاص البيض أن يشبهوا السود.

كان كتاب إيفاريستو الأول الذي تم نشره هو مجموعة قصائد عام 1994 بعنوان (جزيرة أبراهام) ثم واصلت تأليف كتابين غير خياليين، وثمانية كتب روائية وقصصاً شعريَّة تستكشف جوانب الشتات الأفريقي، وهي تختبر الشكل والمنظور السردي، وغالبًا ما تدمج الماضي بالحاضر، والخيال بالشعر، والواقعية مع التأمل، والواقع مع الحقائق البديلة كما في روايتها «الجذور الشقراء». وقد حازت جائزة كتاب مجلس الفنون لعام 2000، وجائزة زمالة نيستا في عام 2003، واختارتها صحيفة التايمز كواحدة من أفضل 100 كاتب في العقد في عام 2010، وفازت روايتها (الجذور الشقراء) بجائزة اورانج وجائزة القراءة الكبيرة، وتم ترشيحها لجائزة دبلن الأدبية الدولية وجائزة آرثر سي كلارك. وتعد لغة برناردين إيفاريستو غنية جدًا، وتتحدث دائما عن إرث العبوديَّة والتحيّزات العنصريَّة. 

تشمل كتب إيفاريستو الأخرى رواية شعريّة بعنوان (لارا)، والتي تصور الخطوط الثقافية المتعددة لتاريخ أسرتها الذي يعود إلى أكثر من 150 عامًا، فضلا عن طفولتها في لندن في أسرة مختلطة الأعراق. وفازت هذه الرواية بجائزة إيما لأفضل رواية في عام 1998، وتم ترشيح رواية (فتاة وامرأة) التي تتناول حكاية 12 امرأة بريطانية تتراوح أعمارهن بين 19 و 93 وهن مزيج من الخلفيات الثقافية والتوجهات الجنسية والطبقية في القائمة الطويلة لجائزة بوكر، كما تم ترشيح الرواية أيضًا لجائزة المرأة للأدب لعام 2020.