صالح كريم.. البصرة هاجسه اﻷول واﻷخير

ثقافة 2023/04/03
...

 علي إبراهـيم الدليمي


أعتز بأنِّي تابعت مسيرة الفنان صالح كريم، منذ كان طالباً في كلية الفنون الجميلة في بغداد، وهو الآتي من أقصى مدينة جنوبيَّة في العراق، وأي مدينة، إنَّها البصرة، مدينة السحر العجيب والجمال الجذاب، في التاريخ. 

وحينها تنبّأت بعض الأقلام المثقفة ببزوغ نجم تشكيلي آتٍ للحركة الفنيَّة في العراق.

وهكذا كان فعلاً.

كلما أتأمّل أعمال صالح كريم أحسُّ بأنّني أمام شموخ نخيل البصرة نفسها، فأغلبها تتمتع باستطالة وانسيابيّة والتواءات، كما أنَّ المفردات الفلكلوريَّة الشعبيَّة، ليس فيها تخلخل.. أو اعوجاج.

هكذا يترأى لنا عند الملامسة البصريَّة لأعماله، فهي تنتمي إلى الأعمال المحيطيَّة الإنسانيَّة الواقعيَّة، التي تنبثق من واقع المدينة ذاتها، الموغلة في التاريخ العميق المعبق بشذا الإبداع الشامخ للبصرة.. في صمودها وتحديها للصعاب، وجغرافيتها وأجوائها منذ الأزل وحتى الآن.

صالح، أراد أن يكون سندباد معاصراً وشاهداً عياناً، كجده السندباد التاريخي، ولكنه رسام، يرسم الحكايات الأسطوريَّة لمدينة البصرة، بناسها الطيبين، ومحاولة مزاوجتهم بالواقع الإنساني الطارئ الذي نعيشه الآن، يناجي نفسه وهو يتناول موضوعاته: كيف أرسم الإنسان؟ وأي إنسان إنّه المعاني مما يدور حوله من المعاناة، وعندما نرسم اللوعة أو الإرهاصات يظل الإنسان، الرجل والمرأة، هو المعنى لا نستطيع فصلهما، وتظل الحكاية مستمرة، لأنَّ الإنسان يظل بهمه ولوعته منذ لحظاته الأولى شخص يعاني الشعراء وصفوه، والفلاسفة كتبوا عنه والرسامون رسموه ويظل اسمه الإنسان.

أما المرأة ورمزيتها، فإنَّها تكمن في لوحاته، حسب خوالجه، وأحياناً يرسمها كاستطالة النخيل: أنا رسمت الوجود الكائن للمرأة هي الجدار القابع في البيت هي وجود الإنسان وهي خربشات الأطفال عندما تتحملهم وهم يرسمون كلٌّ لأمنياتهم أمامها وهي صابرة تتحمل.

وعن مدينته الأثيرة البصرة، فقد رسم البيوتات الفلكلوريَّة بشناشيلها الملوّنة.. ورموزها التاريخيَّة، في ذاكرة المكان، وخيال الزمان.

لفتت انتباهي، كلمات شفافة بأنامل الكاتبة البصريَّة ثورة يوسف، التي انثالت في مقام الفنان صالح كريم: "كل الحكايات تبدأ منها وإليها تعود النهايات، ومنها انطلق السندباد وإليها عاد محملاً بأخبار مغامراته الخياليَّة، مدينة اﻷلوان والخطوط المستقيمة والمتعرّجة والمنحنية. 

السماء فيها عند الفجر تصبح بلون الفضة وعند الضحى يتدرّج لونها ويغدو مثل اللؤلؤ، وفي المساء تبدو السماء مثل الياقوت اﻷصفر الطبيعي فهي سماء عميقة وﻻمعة. 

في هذه المدينة يولد المبدعون. 

مدينة يعشقها البحر وتنام بين أحضان النخيل. 

هي في عيون أهلها وإبداعات الفنانين.

صالح كريم أحد أبناء هذه المدينة التي سرقت من عينيه النوم، البصرة كانت وما زالت هاجسه اﻷول واﻷخير. 

ولد الفنان التشكيلي صالح كريم، في البصرة عام 1947، وحصل على بكالوريوس أكاديمية الفنون الجميلة جامعة بغداد، وتتلمذ على يد كلٍّ من الأساتذة الفنانين: فائق حسن، حافظ الدروبي، محمد غني حكمت، إسماعيل الشيخلي، إسماعيل فتاح الترك، ماهود

أحمد. 

عمل في أماكن تعليميَّة وفنيَّة عدّة، منذ تخرجه: مركز الوسائل التعليميَّة/ تربية البصرة، وتلفزيون البصرة، ورسام ومصمم في كل من جريدة (المرفأ) ومجلة (البصرة)، ترأس قسم الفنون التشكيليَّة في معهد الفنون الجميلة - البصرة، منذ تأسيسه وحتى إحالته على التقاعد عام 1999، ليغادر بعدها إلى الأردن، حيث مارس التدريس في الجامعات الأردنيَّة لفترة طويلة، شارك في العديد من المعارض الفنيّة العربيّة، حاكى العديد من لوحات المستشرقين، حسب طلبات الآخرين (لتأمين لقمة العيش له ولأسرته في عمان)، مما استفاد من هذه التجربة الفنيّة العالميّة، عاد إلى العراق عام 2004، ليمارس عمله الفني من جديد، من خلال معارضه الشخصية ومشاركاته العديدة ما بين البصرة 

وبغداد. 

الفنان صالح كريم، أصبح رمزاً من رموز الفن العراقي في البصرة الفيحاء، وقد اكتسب شهرته ومكانته وأهميته من قدرته الفائقة في البحث الدائم على تجربة خاصة.

يتهيَّأ الآن لإقامة معرضه الاستعادي الكبير في البصرة، الذي سيضم جميع أعماله الفنيّة ما بين الزيتيّة والمائيّة والتخطيطات 

الأخرى. 

مع توثيق كلِّ ما كتب عنه في الصحافة منذ بداية مسيرته في كتاب خاص.