الكتابة والانحياز الأيديولوجي

ثقافة 2023/04/03
...

  ريسان الخزعلي


هل ثمة انحياز أيديولوجي في الكتابة الإبداعيَّة..؟

يتردد بين حين وآخر في الوسط الثقافي قول يشير إلى أن  «الأيديولوجيا تضرُّ بالإبداع والمبدع» ..، ومثل هذا القول يبقى عليل الصدق والمصداقية كونه لا يستند إلى مراجعة دقيقة لكشوفات علوم الجمال وتحليلات النظريات النقديَّة وما آلت اليه تحولات المدارس الادبيّة والفنيّة؛ كما أنه لا يخلو من تشويه وتشويش بقصديات معروفة تحاول أن تجعل من المبدع فرداً في مجتمع وليس فرداً من مجتمع.


مع أنَّ الفرق واضح بين التوصيفين، فحينما يكون فرداً في مجتمع، فإنَّ هذا يعني حالة من (الطواف)..، في حين عندما يكون فرداً من مجتمع، فهذا يعني حالة من (التواشج والالتصاق). 

الأيديولوجياصورة للحب المادي والفكري والروحي، وطريقة في التفسير والتعامل مع الوجود الإنساني، ومن دون هذا الحب لا يستطيع كائن مَن كان أو يكون أن يكشف أساريره لمن يحب، ولماذا يحب؟..

كما أنَّ الأيديولوجيالا تعني التحنيط في مساحة واحدة ضيّقة على الإطلاق. فحينما يكون الإنسان منحازاً لأيديولوجية ما، لا بدَّ له أن يتفاعل تطابقاً أو تعارضاً مع الأيديولوجيات الأخرى كي يصفو ويتجوهر في قناعاته، وينشغل بالتوازيات المعرفيَّة من أجل تمرين وتطويع الوعي على مراودة أُفق القبول والرفض؛ من هنا يكون الانحياز الأيديولوجي كشفاً وليس انغلاقاً، وحينما يتعلق الأمر بالمبدع فإنَّ الانحياز هذا يكون اضافة نوعية لمدركاته

الإبداعيَّة.

إنَّ الضرر الذي سيلحق بالمبدع المنحاز أيديولوجياً لا يتحقق الّا إذا كان غير موهوب ابداعياً وليس بذي تجربة عميقة وثقافة شاملة. وعند المراجعة للسجل الابداعي، يمكن القول: هل أضرّت الأيديولوجيابإبداع بابلو نيرودا، أراغون، ايلوار، ناظم حكمت، كَامو، السياب، النوّاب، وغيرهم الكثير؟..، وما أذكره هنا للمثال والإشارة الدّالة وليس للحصر. وفي استفهامٍ آخر، ألم يكن معظم البنيويين – وهم الذين أحدثوا هزّة في الفكر النقدي  والاجتماعي – قد كانوا من تكوين وانحياز

ماركسييَن؟. من هنا يبدو القول: بأنَّ الأيديولوجياتضرّ بالابداع والمبدع، منكشِفاً للفضاضة والتسطيح، حيث يُراد منه أن يكون المبدع كالكرة المرمية على قارعة الطريق يعالجها مَن يشاء وفي أي اتجاه يرغب من دون رؤية الهدف وتحديده. وأرى أنَّ المنشغلين بهذا القول، وفي العراق تحديداً، يتناسون فكرة الطبقيَّة وبعدها الاقتصادي وكذلك الانحياز الطبقي وبعده الانساني النضالي؛ إنَّهم يتململون من إبداعات الأدباء ذوي الميول والاتجاهات اليسارية والشيوعية تحديداً، في الوقت الذي نراهم يشعلون كلامهم يساريّة في التداول الشفاهي

اليومي. 

وحين يكون الحديث عن المنجز الإبداعي/ الأيديولوجي فإنّهم يلصقون به صفات التراجع الفني متناسين اشتراطات النقد والتحليل، ومتناسين كذلك الوعي الأيديولوجي كونه الجذر الأعمق - مع جذور أخرى -  لشجرة الابداع ..، ومَن يُحاول أن يقلع هذا الجذر، سوف يجمع نثار الورق اليابس

لا غير.

إنَّ عودةً للمنجز التنظيري العالمي ومدارس علم الجمال سترينا تنظيرات متنوعة  في/ عن: الفكر والآداب، الشعر والأيديولوجيا، الفن والانحياز الطبقي.. الخ، وجميعها ترى في الوعي الأيديولوجي الذي يُعارض المضامين البرجوازية منطلَقاً عميقاً يراود الإبداع ويقطفه من أعمق الجذور العصيّة على الملامسة، من أجل إنسان أنقى وحياة أرقى ووجود

أبقى.