{رابعة العدوية}.. شهيدة الحب الإلهي

ثقافة 2023/04/03
...

علي حمود الحسن

اثنا عشر فيلما دينيا انتجتها السينما المصرية، أولها فيلم " ظهور الاسلام "(1951) وأخرها " الشيماء اخت الرسول" (1972)، ثم توقفت إلى يومنا هذا، ولم يكن إنتاجها سهلًا على اية حال، إذ عانى صناعها من تابوات رقابية تخص المقدس وتجسيده، خصوصا أن منتجيها ومخرجيها أرادوا أن يوازنوا بين الربح وسمو الهدف، لكنهم لم يفلحوا، فمثل هذه الأفلام تحتاج إلى إنتاج ضخم وحاضنة متفهمة، وهذا الأمر بدا مستحيلا للمنتجين، فجاءت معظم هذه الأفلام متواضعة المستوى، بل مهلهلة أحيانا، وبعضها بلا مرجعية تاريخية، لكنها لاقت استحسانا عند الجمهور واحبوها العامة،  منها فيلم: "رابعة العدوية"(1963)، الذي يحكي الحياة الحافلة لشهيدة العشق الإلهي رابعة العدوية المتصوفة البصرية الشهيرة، وقد تبدو مفارقة غير مسبوقة أن فيلما بعنوان "شهيدة العشق الإلهي " كان قد انتج قبل عام وأخرجه عباس كامل بالأبيض والأسود، وحقق نجاحا كبيرا، ما أثار استغراب النقاد والجمهور معا، لكن إصرار المنتج الشهير حلمي رفله على اقتباس قصة "رابعة العدوية" للكاتبة سنية قراع، وتكليف المخرج نيازي مصطفى، الذي اقترح أن يكون فيلما ضخما وبالألوان، واختيار ممثلين كبار على شاكلة: فريد شوقي، وعماد حمدي، وحسين رياض، فضلا عن الوجه الجديد غير المستهلك نبيلة عبيد في بطولة أولى لها، على الرغم من حداثة سنها، اذ كانت طالبة مدرسة تراوغ باص النقل لتذهب إلى الاستوديو.

 الفيلم اعتمد على وقائع متخيلة من حياة رابعة وانغماسها في الملذات رقصا وغناءً، وتنقلها في أحضان الرجال، حتى توبتها وتحولها إلى حياة الزهد والتعبد، وقد فاقت نبيلة عبيد التوقع بإجادتها تجسيد هذه الشخصية المركبة، التي كانت محظية ترقص وتغني (الصوت لام كلثوم  والكلمات لفاروق شوشا واللحن للسنباطي)، وتحولها الدراماتيكي إلى العبادة ورحلة الاقتراب من الخالق، مجترحة أسلوبا غير معروف في سياقات المتصوفة يومذاك، إذ انكشف لها ما خفي عن الناس، فهامت بحب الله ولم تر غيره، عازفة عن كل الملذات الدنيوية، إلا ما يقربها من الحبيب الكلي، بحسب ما أورده عبد رحمن بدوي في كتابه "شهيدة العشق الإلهي".

ثمة مغالطات ومبالغات حفل بها الفيلم، منها الحياة اللاهية المبالغ بها لهذه المرأة الصالحة، كذلك عدم ضبط الاحداث وفق تسلسلها التاريخي كما حصل في هدايا هارون الرشيد (170 - 193هـ)، بينما عاشت شهيدة الحب الإلهي (100 -  180هـ)، وربما يتحمل الشاعر الجميل وفاروق شوشة الصورة النمطية، التي تكرست في اذهان المتلقي من خلال الأغاني، التي الفها للفيلم، ما أثار حفيظة الكثير من المهتمين والمختصين، لا سيما الازهر، الذي أقرَّ بضرورة فحص النصوص الدينية قبل عرضها في السينما والتلفزيون والإذاعة، وهذا ما حصل لاحقا.