{رحلة يوسف}.. حكاية أوجاع الواقع والأحلام المسروقة فى سوريا

ثقافة 2023/04/03
...

  محمود عبود 


الفيلم الروائي الطويل"رحلة يوسف"يعدُّ من أهم إنتاجات المؤسسة العامة للسينما السورية خلال عام 2022، كتب له السيناريو: وسام كنعان، جود سعيد وأخرجه جود سعيد، بطولة: أيمن زيدان، سامر عمران، ربى الحلبي، وعدد كبير من الممثلين الشباب.

يُفتتح الفيلم بمشهد هو الأكثر تعبيراً عن الواقع السوري المرير والمعقد، حيث تُتابع الكاميرا رجلا سائرا في منطقة يغطيها الجليد، ساحبا حماره الذي يجر خلفه عربة خشبية، فيجد جثة ممددة في الثلج فيحملها على العربة لدفنها، في ما يبدو ـ خاصة من طريقة رفع وتغطية الجثةـ أنه أمر اعتيادي بالنسبة للرجل..

إنه مشهد كاشف لواقع بيئة أحداث الفيلم، فعلى مستوى المكان يشير الثلج لتجمد الحياة، وعلى مستوى الأشخاص، فقد حمل أحدهما الآخر ليدفنه بعد أن مات خلال رحلة فرار من الموت إلى الموت، وحتى لم يحظ بأبسط حقوق المتوفى، وهي الدفن..

وعندما يصل الرجل للحي، الذي يعيش فيه ويجلس إلى صديقه نعرف أنه يوسف (أيمن زيدان) بطل الفيلم..

 تأخذنا الأحداث إلى جانب آخر من حياة "المنسيون"، كما جاء بالعنوان الفرعى للفيلم، حيث نتعرف على عائلة يوسف فنجد حفيده زياد، وهو الأمل الوحيد الذي يعيش من أجله الجد، خاصة أنه يتيم الأب والأم.. وينضم للعائلة تحت مفهوم أشمل الجارة الشابة هاجر، التي يحبها زياد، وخالتها التي تولت تربيتها بعد تيتمها.

 جمعت قسوة الظروف وفقد الأحباب بين قلبي زياد وهاجر، فوجد كلاهما في الآخر العوض والونس والأمل فى حياة أفضل.

وبينما تحتفل العائلة بيوم ميلاد زياد يفاجئهم عم هاجر بأنه قرر أن يزوجها لابنه، وعليها أن تجهز نفسها، تفشل العائلة في إقناع العم بالعدول عن موقفه، بعدها تقرر النزوح القسري بما يشبه الهروب من الحي، الذي تعيش فيه إلى أحد المخيمات على الحدود، التي تأوي كل من اضطرته ظروفه لمغادرة بيته بحثا عن بداية جديدة.

  اعتمد المخرج سعيد أسلوب توازي التسلسل الزمني، الذي تقع خلاله الدراما مع مراحل تطور الأحداث والصراع بين الشخصيات، بحيث تكون طبيعة الزمن ومظاهر تمييزه دلالة واضحة على ما آل إليه التطور الدرامي.. لذا إختار المخرج أن تكون انطلاقة الأحداث مع صقيع الشتاء وقسوته في إشارة إلى الواقع المحيط بشخصيات الفيلم، وبالتسلسل فإن ترك عائلة يوسف بيتهم الأول، بحثا عن وطن ومأوى جديد تتفتح معه أسباب الأمل فى الحياة ما هو إلا علامة شديدة الوضوح على حلول ربيع تلك العائلة، وهكذا..  

وفى المخيمات وعلى الرغم من قسوة الحياة بالنسبة لبعض من يعيشون فيها ومنهم عائلة يوسف، فقد سعى أفرادها بكل السبل للتكيف مع الواقع الجديد والبناء عليه للمستقبل، وسرعان ما انخرط كل منهم في المجتمع الجديد.. وفي خضم الأحداث تُولد الظروف قصة حب من نوع مختلف تنتهي بزواج يوسف من خالة هاجر".

تتغير وتتطور طموحات وأحلام العائلة حين تكتشف مخرجة أفلام وثائقية ـ تتردد على المخيم لعمل فيلم تسجيلي ـ موهبة "زياد،" المتميزة في لعب كرة القدم، بعد أن شاهدته يلعب مع أقرانه بالمخيم، وبدورها تدعوه تلك المخرجة للسفر إلى أوروبا، حيث الفرص مهيأة ليكون لاعبا شهيرا، ووقتها يمكن أن يعيش حياة أفضل.. لكن سرعان ما تصطدم تلك الأحلام، برفض الجد سفر حفيده بعيدا عنه.. 

واستكمالا للبناء الدرامي المتوازي بين طبيعة الزمن وطبيعة الأحداث، نجد حرارة الصيف المستعرة يصاحبها تزايد الضغوط على الجد من المخرجة والحفيد والزوجة ـ التي صارت حُبلى ـ كل ذلك من أجل السماح لـ (زياد) بتحقيق أحلامه..

وبمرور الوقت يغير الجد رأيه بشأن سفر زياد، اذ يقول في إحدى الجمل الحوارية "من يوم ما طلعنا من بلدنا اتغيرت أحلامنا.. هو بيحب الـ (الفوتبول) وأنا بحب إن ينجح".

وفى الوقت الذي كانت تتجاذب عائلة (يوسف) أطراف الصراع حول سفر الحفيد، قدم سيناريو الفيلم صراعا آخر موازيا لا يعرفون عنه شيئا، تتلخص أبعاده في مؤامرة تجمع أطرافها على هدف واحد هو الانتقام من زياد، فقد استطاع هؤلاء الذين هربت منهم عائلة يوسف في بداية الأحداث أن يعرفوا مكانهم، وبالاتفاق مع بعض المنحرفين من داخل المخيم تمكنت عصبة الشر من إعداد كمين لقتل"زياد"..

وعند بلوغ الخريف يقتل المتآمرون زياد فتسقط ورقة الأمل في حياة العائلة التي ما هي إلا رمز للمجتمع السوري.

  نجح الفيلم في إبراز واقع تداعيات الأزمة السياسية المرير الذي ما زال يعيشه الشعب السوري، لكن دون استجداء أو بكائية، من خلال وجهة نظر مختلفة تبحث عن الأمل في أحلك الظروف، ما يميز الفيلم عما سبقوه فى تناول القضية السورية. 

كما نجح سيناريو الفيلم فى خلق عدة لمحات ومواقف كوميدية أحيانا وعاطفية أحيانا أخرى، ليخفف من مأسوية الواقع، وليقول للمشاهد أيضا:هكذا هي الحياة.. فالأمل والحب قد يولدان من رحم الموت..

كان لبراعة أداء أيمن زيدان التمثيلي لشخصية يوسف أبلغ الأثر في تميز العمل، ووصفه واحدا من أهم أفلام العام.

جاءت نهاية الفيلم ميلودرامية، فقُتل الحفيد لتبلغ مأساة رجل فى خريف العمر ذروتها.. 

والواقع أنها النهاية الأنسب لأنها بطعم مرارة الواقع السوري اليومي نفسه من ناحية، ومن ناحية أخرى تركت الباب مفتوحا لوخز الضمير على أمل تصحيح الأوضاع.