هي السيدة نفيسة، بنت الحسن بن زيد بن الإمام الحسن {ع}، من سيدات أهل البيت، اشتهرت بالعبادة والزهد، محدثة فاضلة حافظة للقرآن الكريم. تزوجت من إسحاق المؤتمن ابن الإمام الصادق {ع}، ويقع ضريحها في القاهرة حيث يؤمه الكثير من المصريين وغيرهم للزيارة والتوسل. ولدت السيدة نفسية في الحادي عشر من ربيع الأول سنة 145 للهجرة. في مكة المكرمة. أبوها الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب {ع}، وقيل إن أمها أمّ ولد. عاشت مع أبيها في المدينة المنورة في الدار التي تقع في الجانب الغربي من المدينة مقابل بيت الإمام الصادق {ع}.
تزويجها من إسحاق
تزوجت السيدة نفسية وهي في الخامسة عشرة من عمرها بإسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب "ع"، وقد وافق أبوها على الزواج بعد أنْ كان رافضاً له بعد رؤيا رأى فيها رسول "ص" يأمره بتزويج نفسية من إسحاق.
وقد وصف زوجها إسحاق المؤمتن بالصلاح والفضل والوثاقة في نقل الحديث. وكان من شهود وصية الإمام السابع "ع" لولده الرضا "ع". يكنّى بأبي محمد ولشهرته بالأمانة لقب بالمؤتمن. ولد وترعرع في العُريض بالقرب من المدينة.
أنجبت نفسية من إسحاق ولدين هما القاسم وأمّ كلثوم.
في سنة 193 هـ، رحلت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش. وصلت نفيسة إلى القاهرة في 26 رمضان 193 هـ، ورحّب بها أهل مصر. قال صاحب ناسخ التواريخ: عظيمة الشأن رفيعة المنزلة مثال العفة وكان بيتها ملاذاً للناس.
سكنت مع زوجها في بيت أحد التجار المصريين يعرف بجمال الدين بن عبد الله بن الجَصّاص ثم انتقلت بعد عدّة شهور الى بيت أمّ هانئ ومنها الى بيت أبي السرايا أيوب بن صابر.
وحينما شعرت السيدة نفسية أنَّ كثرة المراجعين لها يزعج صاحب الدار قررت الرحيل من مصر، ففزع الناس لقرارها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها: "يا ابنة رسول الله، إنّي كفيل بإزالة ما تشكين منه". فوهبها دارًا واسعة، فبقيت في مصر الى أنْ وافاها الأجل هناك.
فضلها وخصائصها
عرفت السيدة نفيسة بأنسها الشديد بالقرآن الكريم، فكانت من الحفاظ كما ذكر ذلك أكثر من ترجم لها؛ وإنْ ذهب البعض الى القول بأنها كانت من الأميين لا تجيد القراءة والكتابة، وقيل إنَّها ختمت القرآن الكريم 1900 مرّة. وقيل إنها كانت يغشى عليها عندما تمر بقوله تعالى (لهم دار السلام عند ربّهم وهو وليهم بما كانوا يعملون). كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية. وكانت كثيرة البكاء خشية من الله تعالى وكانت تحيي الليل بالعبادة والتضرع والتهجد، كثيرة الصيام. وقيل إنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا، وختمت فيه المصحف عشرات المرّات وهي تبكي بكاءً شديدًا.
وقد وصفها المترجمون لها بجميل الأوصاف وأثنوا عليها بأفضل كلمات الثناء مدرجين لها في عداد النساء العارفات العابدات المتمسكات بأوامر الله تعالى الزاهدات المتقيات العالمات؛ منهم:
أحمد أبو كف حيث وصفها: بنفيسة الدارين ونفيسة الطاهرة والعابدة ونفيسة المصرية ونفيسة المصريين. ووصفها أيضاً بقوله: كانت من العابدات العارفات العاملات وأنها نفيسة الدارين لطهارتها وعفتها وهي درة ثمينة بين المصريين يلوذ إليها المصريون في طلبهم لطريق الحق وكانت كريمة الدارين لما أدركه المصريون من كرامتها إبّان حياتها وبعد رحيلها.
وقال الزركلي في الأعلام: صاحبة المشهد المعروف بمصر، تقيّة صالحة زاهدة، عالمة بالتفسير والحديث... وللمصريين فيها اعتقاد عظيم. وقال العالم المصري الشيخ محمد ضبان: أعرضت السيدة نفيسة عن زخارف الدنيا رغم تمكنها من العيش الرغيد والحياة الهانئة، زاهدة في كل متاع الدنيا زينتها؛ ومن هنا مال إليها الكثير من الناس فكانوا يرجعون إليها في المحن والشدائد والمصائب التي تلم بهم.
صرح أبو نصر البخاري لبيان فضلها بقوله: وقد بلغ من سمو مرتبها وعلو مكانتها أنَّ المصريين يقسمون باسمها لإثبات صدق مدعاهم. وأشار جمال الدين بن تغري البُردي الى ما شوهد منها من كرامات كثيرة مما يكشف عن عظم منزلتها وكونها من الفاضلات الروحانيات وقد ذاع صيت كراماتها في جميع الأرجاء. ووصفها اليافعي اليمني بصاحبة المناقب فريدة في عصرها. وقال محمود الشرقاوي في ترجمتها: وصلت الى درجة من الكمال حتى نهل من نمير علمها الناس ومالت قلوب الكثيرين إليها.
وللــمقريزي في وصفها كلام جاء فيه: عرفت بتقواها وإعراضها عن زخارف الدنيا. وقال ابن خلكان: عرفت بمهارتها بنقل الحديث وروى عنها الحديث مشاهير الأعلام.
وقال صالح الورداني: كانت كثيرة البكاء من خشية الله تحفظ القرآن وعالمة بتفسيره.
تلامذتها
ذكرت بعض المصادر تلمّذ بعض كبار العلماء عليها وأخذوا منها العلم، منهم:
محمد بن إدريس الشافعي: لمَّا وفد الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ، توثقت صلته بنفيسة بنت الحسن، واعتاد أنْ يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يأخذ الحديث عنها.
ومنهم أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال المعروف بأحمد بن حنبل حيث كان يروي عنها الحديث ويشترك في مجالسها العلمية.
ومنهم ذو النون المصري، وبُشر بن الحارث (الحافي) الذي قيل إنه اعتكف في دارها مستفيداً من مراتب فضلها وكمالها.
وفاتها
في شهر رجب 208 هـ، أصاب نفيسة بنت الحسن المرض، وظلّ يشتد عليها حتى توفيت في مصر في رمضان سنة 208 هـ، وقيل إنها توفيت وهي تقرأ القرآن، فبكاها أهل مصر.
ويندرج مرقد السيدة نفيسة ضمن أهم المراقد المعروفة في مصر، تقصده في يومي الأحد والخميس جموعٌ غفيرة من المؤمنين، وقد اعتاد المصريون على إقامة مراسم الزواج في أطراف ذلك المرقد. كذلك يحيي المصريون ذكرى ولادة السيدتين نفيسة وزينب "ع" السلام في كل عام.
وكان بعض الحجاج الايرانيين في العصر القاجاري يعرجون على الشام ومصر لزيارة السيدة نفيسه، وهذا ما أشارت إليه بعض كتب الرحالة متعرضين لبيان صفات المرقد وعلاقة المصريين به.