مكتبة المتحف العراقي ومدخراتها الثقافيَّة

منصة 2023/04/04
...

  ليلى مراد سرحان 

مضى على إنشاء مكتبة المتحف العراقي أكثر من سبعين سنة وأصبحت من أكبر مكتبات العراق بالرغم من تخصصها، لكن ما تحتويه من نفائس الكتب والمجلات والمسلسلات والمعجمات والأطالس والخرائط والرحلات والمسماريات لا يمكن لأي مكتبة في العراق، بل والشرق الأوسط أن تضاهيها في هذا المجال.

وفي سياحة توثيقية توقفنا فيها مع الدكتور عبد الهادي فنجان الساعدي/ رئيس قسم النشر في دائرة الدراسات والبحوث/ مدير عام دائرة الدراسات والبحوث سابقا/ مؤلف كتاب مكتبة المتحف العراقي – صرح ثقافي خرج من تحت الرماد، أمدنا بالكثير من المعلومات عن تاريخ هذا الصرح وأهم محطاتها التي تأخذنا إلى البدايات الأولى، إذ ما إن تشكلت الدولة العراقية بعيد الحرب العالمية الأولى، حتى نشطت الحكومة في تأسيس مكتبات عامة في بغداد وغيرها من مدن العراق. وأخذت هذه المكتبات تتقدم وتتوسع ويتكاثر عددها سنة بعد أخرى، حتى بلغ سنة 1953 – 1954 عشرين مكتبة عامة رسمية تابعة لوزارة المعارف. وفي طليعة ما يذكر من هذه المكتبات جميعاً، (مكتبة المتحف العراقي).

   حينما أنشئ (المتحف العراقي) سنة 1923، لم يكن له مكتبة خاصة به إلى حين تأسيس (مديرية) للآثار القديمة في بناية القشلة، وكان ذلك سنة 1924. ولما كثر عدد هذه الكتب، رأت المديرية أن تجعل منها (أصلاً) لمكتبة. فجمعتها سنة 1933 في قاعة من قاعات المديرية، وصنعت لها خزانات قليلة. ولما ضاقت تلك القاعة بما فيها، خصصت للمكتبة بناية جديدة ملاصقة للمتحف العراقي القديم في شارع الأمين. وأصبحت تضم أكثر من (133 ألف مطبوع) وقد تم تسجيل أسماء الأشخاص والجهات الذين أثروا المكتبة بهداياهم القيمة في لوحة الشرف، حيث يردها العديد من الكتب من باب الإهداء والشراء. وأصبحت من المكتبات المهمة لأنها تضم كتبا قديمة ومطبوعات بالطبعة الحجرية وكتبا قديمة ونادرة وقد تكون مفقودة ومنها (بعض الدوريات التي توقف صدروها مثل دوريات أمريكية قديمة صادرة في القرن 18) وكتابات المنقبين الأوائل في (نينوى واشور ونفر) لا توجد مثيلاتها في مكتباتٍ أخرى وهي ميزة تنفرد بها مما منحها أهمية خاصة. 

وتتابعت في مهام إدارة المكتبة أسماء لامعة في مجال الثقافة أمثال (كوركيس عواد وعبد الكريم الأمين وساجدة العزي والدكتور رشيد حميد حسن وحكمت توماشي والدكتور محمد حسين الزبيدي والدكتور اعتماد يوسف القصيري وناهدة عبد الفتاح وزينب صادق علي السمكري والدكتورة عامرة عاصم والدكتورة آمنة فاضل).

وتخبرنا الدكتورة آمنة فاضل/ مديرة مكتبة المتحف العراقي أن المجلات تعد من المصادر المعتمدة في البحوث والدراسات المهمة بالنسبة للدارسين والباحثين وتشكل في الوقت نفسه مصدرا حيويا لمن يريد مواكبة التطورات العلمية واللغوية في العالم وهي تفوق الكتب من حيث تعداد المواضيع واستيفاء شروط البحث المتسلسل. وتحتوي مكتبة المتحف العراقي على مجاميع عديدة جدا من الدوريات المتسلسلة التي انقطع إصدارها والتي ما زالت تصدر، وهناك مجموعات لأمهات المجلات العربية والأجنبية. فضلا عن وجود كشاف بقوائم المجلات والدوريات العربية وأخرى بالمجلات الدورية والسلاسل الأجنبية. كما وتضم أهم مجلتين في مجال الآثار وبأعداد كاملة وهي مجلة سومر ومجلة عراق والتي تصدر عن (المعهد البريطاني).  

وأهم ما تحويه المكتبة طبعات الحجر من أمهات المطبوعات بجميع المواضيع تقريبا منها (الطب واللغة والفهارس والفلسفة وأمهات كتب التاريخ والمصادر والمعاجم والدين).

وأيضاً كتب الرحلات التي تتميز بأنها من أمتع الكتب التي تمتاز بالرؤية العينية والوصف المكاني التي ينفذها مغامر لا يقتنع بما يسمع إذا لم يقرنه بما يرى. وهكذا كانت كتب الرحلات للقدماء من أمثال (ابن بطوطة وابن جبير). أما كتب الرحلات الحديثة فهي لرحالة أجانب انكليز وايطاليين وألمان وفرنسيين يمتلك معظمهم روح البحث العلمي والمغامرة وحب الاطلاع على مدن الشرق الساحرة.  وهناك الكتب التي تجاوز عمر طبعها أكثر من مئة سنة حيث توجد مجموعة كبيرة منها وكانت جاذبة للعديد من المستشرقين لدراستها وتحقيقها ونشرها، وتعد من نوادر المطبوعات.

ولا ننسى الكتب الممنوعة (مدة النظام السابق) والتي تم وضعها في صناديق حديدية مقفلة في المخازن بأسماء مستعارة لأغراض تمويهية وبعد سقوط النظام السابق أعيدت جميع الكتب التي حفظت في المكتبة إلى مواضعها لتكون تحت تصرف الباحثين. ومع زيادة عدد الكتب تتنوع وتزداد الأماكن والبلدان التي تطبع فيها وهي موزعة بين دول غربية مثل (انكلترا وايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال والسويد والدنمرك وهولندا وألمانيا والنمسا وروسيا والولايات المتحدة والمكسيك والأرجنتين) أما مطبوعات الحرف العربي فقد توزعت طباعتها في الدول الإسلامية مثل (تركيا ومصر وسوريا ولبنان وإيران والهند والأردن وفلسطين والجزائر وليبيا والسعودية وباكستان). فضلا عما يطبع داخل العراق في مدنه المختلفة. 

وبسبب طبيعة مكتبة المتحف العراقي كونها مكتبة آثارية بالدرجة الأولى فهي بهذا الوصف تحتوي على كل لغات العالم القديم والحديث من المسمارية إلى الهيروغليفية حتى تصل إلى اللغات الدولية المتداولة.  وقد شاركت المكتبة في العديد من المعارض والنشاطات منها المعرض الذي أقيم بمناسبة المهرجان الألفي لابن سينا في بغداد للمدة 20- 28 آذار 1952 والمعرض الذي أقيم في خان مرجان عام 1946 والمعرض الذي أقامه المعهد الثقافي البريطاني للكتب الإنكليزية 1954، والمعرض الشامل لوجوه النشاط الثقافي الذي أقامته دار المعلمين العالية في بغداد 1955 ومعرض الكتاب العراقي الذي أقامته (مكتبة الخلاني العامة) في بغداد 1955 ومعظم الكتب التي تم عرضها من ممتلكات المتحف العراقي وغيرها الكثير من معارض لم توثق في حينها للمحافظة على سرية العروض.

وتعرفنا السيدة روعة مؤيد/ مسؤولة شعبة اللغات الأجنبية – المفهرس أن المكتبة تتكون من ستة أقسام هي: شعبة اللغة العربية: حيث تضم أكثر من (100 ألف مجلد) باللغة العربية واللغات الشرقية مثل (الفارسية والهندية والتركية وغيرها) وتهتم بالدرجة الأولى بكتب علم الآثار لأنّها متخصصة فيه وكتب الرحلات المهمة والنادرة مثل رحلة (ابن بطوطة وابن جبير وبنيامين ونيبور وفريزر إلى العراق). كما تحتوي كتباً نادرة جداً مثل كتاب (القانون لابن سينا) وكتباً أخرى في مجال الطب والفقه، والفلسفة، واللغة، والمعاجم. ومن الجدير بالذكر أن أول كتاب سجل في المكتبة هو (معجم تاج العروس للزبيدي).  

شعبة اللغات الأجنبية: ويشمل مجموعة من اللغات الأخرى مثل: (الإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية والصينية واليابانية وتضم أيضاً كتب الرحلات والقواميس) وتحتوي على مطبوعات مختلفة من الكتب والسلاسل والدوريات التي تعد مصادر مهمة على المستوى العالمي. فضلاً عن وجود الكثير من الكتب المهمة مثل كتب الرحلات التي يصل تاريخ طباعتها إلى (200 عام) والتي تعد مصادر نادرة وفريدة على مستوى العالم. وتضم كذلك مذكرات (المس بيل) التي تذكر فيها تاريخ العراق الحديث ورسائلها في جزأين ضخمين ورحلاتها إلى الوطن العربي والعالم. وهناك كتب نادرة للمؤلفة الروائية (أغاثا كريستي) التي تبين فيها رحلاتها مع زوجها المنقب الآثاري البروفسور (ماكس مالاوان). ومن ضمن الموجودات أيضاً مصادر مختصة بعلم الآثار والتنقيب للعراقيين والأجانب. كذلك تحتوي على أهم الموسوعات العالمية المهمة في مختلف المواضيع الفنية والتاريخية والآثارية والعلمية ومجموعة من أطاريح الماجستير والدكتوراه.

شعبة المسماريات (قسم اللغات القديمة أو المندثرة): يمثل هذا القسم اللغات القديمة وهو متخصص باللغات والخطوط القديمة الميتة والحية وتشمل السومرية والأكدية بلهجتيها (البابلية والآشورية)، فضلا عن الآرامية والعبرية والمندائية واليونانية، والعربية القديمة، والفارسية، والهندية.

نظام المكتبة: هو (نظام المكتبة المفتوح/ نظام المناولة المفتوحة) لأنَّ روّادها من المتخصصين باللغات القديمة فضلا عن الهواة ويديرها متخصصون بالمسماريات وتخدم أصحاب الاختصاصات الدقيقة واستحدثت هذه الشعبة في حقبة الثمانينيات. أما نظامها حاليا فهو مغلق ما عدا شعبة اللغات القديمة (مفتوح) أي (نظام عالمي للرفوف المفتوحة).   

وورشة الصيانة والتجليد: تم استحداث هذه الورشة قبل 10 أعوام تقريباً. وهي ورشة تقنية تمتاز بالحداثة وتحتوي على مكائن للتجليد والكبس. وتنتج الورشة نحو (20 مجلداً) يومياً وتجري على العديد من الكتب عملية صيانة مستمرة ولقد أسهمت الورشة في إعادة الحياة إلى الكثير من الكتب. الحاسبة والانترنت: الذي يحدثنا عنه السيد محمد كريم صالح القزاز/ مسؤول المكتبة الرقمية فيقول: لقد تأسس هذا القسم عام 2004 ويكون العمل فيه من أجل تحديث نظام التوثيق الالكتروني وتوثيق وتصوير الكتب للحفاظ عليها وطبع العمل الإداري وإدخال المعلومات بالسلسلات والمجلات على برنامج خاص بالمكتبة. يسهل هذا القسم اتصال المطالع بالمكتبات الأخرى وحصوله على المعلومات وربط المكتبة بشبكة تعمل على برنامج موحد لتفعيل العمل المكتبي. تم إلغاء هذا القسم واستحدث بدلاً عنه (شعبة المكتبة الرقمية) عام 2017 وتطور عملها عام 2019 ومهامها: أرشفة قوائم المكتبة الكترونيا. وحفظ وتوثيق الكتب المهمة (النادرة والنفيسة) لأرشفتها الكترونياً.

قاعة المحاضرات: وهي من الأماكن الحيوية والمكملة لعمل المكتبة افتتحت عام 1966. وتمتاز بالمعمار الجميل الذي يجمع بين الجمالية والبساطة والتقنية. من ضمن أهم تقسيمات وموجودات القاعة مسرح وشاشة متحركة لعرض الأفلام العملية والثقافية.

في نهاية جولتنا التعريفية والتوثيقية نقف على ملاحظات مهمة لا بدَّ من الإشارة إليها وهي أن هذا المعلم المهم الشاخص منذ عقد في هيئة الآثار والتراث يحتاج إلى دعم، إذ إن المكتبة غير مرتبطة بأي منصة الكترونية عالمية وتفتقر إلى تحديث نظام الأرشفة وفق التطورات العالمية الحديثة واستحداث موقع الكتروني تنشر فيه موجوداتها، فضلا عن إعادة تأهيل وتدريب كادرها وتحديث ورشة صيانة الكتب وتجليدها، فضلا عن عمليات الصيانة اللازمة لبناية المكتبة وتزويدها بمنظومة متطورة لمعالجة الحرائق.