السر وراء جدران الكرملين في موسكو

بانوراما 2023/04/04
...

 ترجمة: شيماء ميران

تعد جدران الكرملين العريقة ولمدة أربعمئة عام رمزاً معمارياً شاخصاً لروسيا، قاومت الغُزاة والحرائق والفيضانات والزمن ذاته، ومع ذلك، ما زالت في وضع جيد؟.

يبدو مبنى الكرملين في موسكو من بعيد فخما وملكيا بأبراجه ذات النجوم الحمراء وشرفات ذيول السنونو، وقرميده القديم ذي اللون الاحمر البراق وكأنه حديث.


عند إقترابنا من الجدران التاريخية، يبدو القرميد الاحمر محفوظ تماما، لدرجة أنه لم تتزحزح منه أية طوبة من مكانها في الصفوف.

وباقترابنا أكثر، نجد أن الطوب الموجود على جدار الكرملين المشهور مرسوم بطريقة فنية متقنة، فالطوب الاحمر والمادة الرمادية والبيضاء التي تثبتها ما هي إلا خطوط مرسومة على سطح صلب مشابهة للجص. وكان أحدهم يرسم الطوب على جدار الكرملين. وهذا ليس بسر كبير مخفي، اذ يظهر في الصور المنتشرة على الانترنت عمال يرسمون الطوب على الجدران في وضح النهار. 

في الواقع، من المؤكد أن جدار الكرملين مبني من الطوب، رغم أن معظم أجزائه الخارجية مكسية بالجص، وملون بطوب مرسوم باليد، وهذه العملية موجودة منذ زمن طويل ولها ميزات تختلف حسب العصر والقرن.


صبغ الجدار 

بُنيَّ جدار الكرملين على يد الايطاليين نهاية القرن الخامس عشر خلال عهد القيصر "إيفان الثالث". وكانت القلعة بمثابة الحصن للحماية من الغزوات والحروب المستمرة. وكان لونها الطبيعي من لون الطوب الاحمر، ولم يخطر ببال أي أحد تغييره حتى العام 1680، قبل كل شيء، تم تغييره لأسباب أمنية ففي حال تعرض الجدار لقذيفة مدفع سيؤدي الى انهيار الجص وتجرد الطوب الاحمر، ما يُضعف الجدار ويسهل استهدافه ثانية. لكن في العام ذاته، ظهر اول دليل وثائقي على أن كرملين موسكو كان مطليا باللون الابيض.

يذكر المؤرخ "بارتينيف" في كتابه (كرملين موسكو في الأزمنة القديمة والآن) تساؤلا ورد في مذكرة اُرسلت الى القيصر مطلع تموز1680: "هل يجب تبييض جدران الكرملين وتركها كما هي او صبغها بشكل يُظهر طوبها مثل (بوابة سباسكايا)؟". وكانت جدران الكرملين وابراجها قد فقدت قيمتها في التحصين وتم طلاؤها بالجير. عمليا، لم تخشَ موسكو سياسيا غزوات المغول التتار او غيرهم. وحينها تم طلاء العديد من الجدران الروسية الاخرى؛ مثل: روستوف كرملين، ونصب نوفغورود الكرملين، وحصن كرملين قازان وغيرها.

بقي الجدار مطليا باللون الابيض لعدة قرون اخرى. حتى أن نابليون عندما هاجم موسكو عام  1812 رأى كرملين موسكو باللون الابيض، وحين تعرض للحريق اُعيد طلاؤه بالأبيض مرة اخرى، لكن الأبراج المنفصلة مثل "برج سباسكايا" و" برج نيكولسكايا" و" برج ترويتسكايا" لم تكن بيضاء دائما، بل بقيَّ لونها احمر وكانت تُطلى باللونين الاحمر والابيض لغرض التزيين.

بحسب الكاتب "بافيل إيتنجر" دخل كرملين موسكو القرن العشرين بمدينة نبيلة عريقة، تُطلى احيانا باللون الابيض بسبب أحداث مهمة، لكن في الغالب بقيت القلعة شامخة بخطوط غير مكتملة مع قرميد احمر.


تمويه حربي

اُعيد طلاء جدار الكرملين جذريا خلال الحرب العالمية الثانية، بقرار مباشر. وعلى نحو اكثر دقة، كان ينبغي إخفاؤه لغرض التمويه عن القاذفات. وبعد ذلك، ووفق مشروع الاكاديمي "بوريس اوفان"، تم رسم جدران منازل وثقوب سوداء للنوافذ على جدران الكرملين البيضاء، واُنشئت شوارع اصطناعية في الساحة الحمراء وضريح لينين الذي كان مكسوا بخشب رقيق مع صورة قصر منتظم، وبهذا التمويه: "اختفى" الكرملين، وأصبح غير مرئي من الجو.

ولكن، بعد الحرب، كانت القلعة بحاجة فعلية الى ترميم كبير، خصوصا مع اقتراب الاحتفال بالذكرى المئوية الـثامنة، تلتها عملية إعادة إعمار مشابهة خلال الأعوام 1946- 1950، إذ اُستبدل الحجر والطوب المتهالك بغيره جديد، رغم انها صُنعت بعد اخذ العينات من القرنين السابع عشر والتاسع عشر. ومع ذلك، فقد استُكمل عمل الطوب التاريخي واضافاته اللاحقة مرة أخرى وبدقة على طول محيط الجدار الكامل البالغ كيلومترين مع طوب جديد، تم تصنيعه في الاتحاد السوفييتي خلال تلك الفترة. وصدر قرار من ستالين، اُعيد فيه طلاء جدار الكرملين بالاحمر كرمز شيوعي. ومنذ ذلك الوقت، اُعيد ترميم الجدار عدة مرات وإعادة بناء بعض اجزائه من جديد. والاعمال المشابهة لهذا العمل مستمرة دائما. 

يوضح "سيرجي ديفياتوف"، استاذ العلوم التاريخية ومستشار مدير الخدمة الوقائية الروسية بالقول: "لا تزال مجموعة كاملة من العوامل تؤثر في جدران الكرملين بنحو سلبي، نحن نعيش ظروف شتاء روسية، تتسرب فيها المياه الى مسامات الطوب وتجعله يتهالك".

بحسب "ديفياتوف"، كان الطوب في نهاية التسعينيات بحالة سيئة، رغم انه محمي بمحلول خاص من العوامل الجوية والبيئية والتعرض الطلاء. 

لكن مع ذلك، لا يزال من المهم ان يحتفظ جدار الكرملين بمظهره الانيق، واليوم ، تُصبغ الجدران بين الحين والآخر بأحمر غير لامع حفاظا على لمعان وتشبع اللون دائما.


عن موقع راشيا بياند