قيس لفتة مراد..أعمال شعريَّة كاملة

ثقافة 2023/04/05
...

خليل السعدي

صدرت الأعمال الشعرية للشاعر العراقي قيس لفتة مراد، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق في مطلع هذا العام. وقامت الناقدة والأكاديمية العراقية موج يوسف بجمع الأعمال والتقديم لها، والتحقيق، وكتابة سيرة الراحل بشكل سيرة غيرية، ودراسة نقدية موجزة عن شعره وفق تتبع مراحله بشكل زمني. وقد صرحت الناقدة في المقدمة أن هذه الأعمال ليست الكاملة؛ لأن الكثير من شعره كان مفقوداً، ومنه ديوان إله الرماد، وبعض القصائد الأخرى، فالشاعر كان يكتب القصيدة ويودعها عند أصدقائه. وما استدعى الأكاديمية موج يوسف لجمع الشعر هو فقدانه بشكل تام من المكتبات فلم تعثر على إلا على بعضه، فاستطاعت الوصول إلى عائلته المتمثلة بابنه ( طيف قيس لفتة مراد) الذي كان يحتفظ بالكثير من شعر أبيه، فوكلها بإنجاز هذا المشروع؛ لأنَّ الشاعر في حياته كان رافضاً لجمع شعره، وقد ذكرت المحققة في التقديم قوله في هذا الشأن : ( سأموت وأُنسى ويُنسى شعري وسيأتي جيل جديد يبحثُ عني ويعيد بعثي مرة أخرى). إن المرحلة الثانية من الأعمال اتسمت بالتحقيق المنهجي، فقد سارت المحققة وفق الترتيب الزمني للدواوين الشعرية المنشورة وغير المنشورة والمسرحيات الشعرية أيضا، فبدأت من الديوان الأول بعنوان ( أغاني الحلاج) الذي صدر عام 1966 ، وانتهت بآخر ديوان بعنوان ( الهزيع الأخير) الصادر عام 1992 ثم وضعت القصائد التي لم تنشر بملحق مستقل في نهاية الكتاب، ورافقه ملحق آخر لصور الشاعر. وما يميز دقة التحقيق أن صاحبته قامت بتصحيح الأبيات والكلمات الشعرية التي وردت بشكل مغلوط في الدواوين وقد ثبتت التصحيحات بهامش تحت كل قصيدة، كما أنها عالجت الكلمات المحذوفة؛ بسبب عوامل التعرية الزمنية التي أصابت نسخ الدواوين التي ــــــ وفق قول الناقدةــــــ كانت النسخ مهترئة وضعيفة وتصعب قراءة الأبيات، فالمعالجة جاءت بوضع هامش لكل كلمة محذوفة وترجيح بعض الكلمات، قد يكون الصواب في إحداها، ومنطلق الترجيح لم يرد عبثاً وإنما وفق الوزن الشعري والمعنى والسياق العام للقصيدة. ثم قامت بتعريف كل اسم وشخصية تاريخية أدبية وردت في شعر الشاعر. ولأن سيرة الشاعر المنشورة في مواقع الإنترنيت فيها الكثير من المغالطات فلجأت الناقدة إلى كتابتها بشكل مختزل ومكثف لأهم تفاصيل حياة الشاعر، كما أنها اعتمدت بكتابة سيرته على مصدرين الأول: ابن الشاعر ، والثاني شعره، فرأت أن العديد من قصائده تتطابق مع حياته الخاصة، ومنها كثرة تنقلاته في مناطق بغداد ، وقد أكدت ذلك بقوله : 

        وأنا كما ينتقل الـ        غجري من دار لدار

   لم أعرف اسم محلتي      يوماً ولم أدرِ اسم جاري


وهذا النوع من كتابة السير اتبعه أكثر الشعراء الذين كتبوا سيرهم لكن الفارق أن دقة الناقدة في قراءتها لشعر الشاعر استطاعت أن ترصد حياته الخاصة التي بثها في شعره. أما الدراسة فقد جاءت وفق تقسيمات تبدأ من ديوانه الأول، وتنتهي بالأخير، وهذه التقسيمات حملت العناوين التالية ( أغاني الحلاج ديون القناع) ( العبثية في ديوان أحلام المجنون) (العودة إلى مدينة الطفولة والفرار بالقصيدة) ( تشيخ الروح وتنضج القصيدة). فقدمت الناقدة نقدها بشكل موجز عن كل ديوان لتفسح المجال لغيرها من النقاد والدارسين ليتناولوا شعره .

إن الأعمال تجمع وتصدر للمرة الأولى وبرعاية اتحاد الأدباء الذي تبنى المشروع في إعادة طبع وتوثيق أعمال من فقدت أعمالهم الأدبية من أدباء العراق .

الشاعر قيس لفتة مراد ( 1929 ــــــ 1995 ) ولد في مدينة الناصرية وانتقل إلى بغداد في نهاية الخمسينيات وعاش فيها إلى موته. شاعر ستيني عَمِلَ مدققا في الإذاعة العراقية، ثم في الصحف كالثورة والجمهورية، كتب العديد من المقالات والقصص التي فُقدات أيضاً ، وكان يميل إلى العزلة الاجتماعية والثقافية، فلم يشترك بمهرجان شعري ولم يتناوله الإعلام في تلك المرحلة؛ لمواقفه السياسية المعارضة للنظام. ولم يكتب عنه النقاد أيضاً.