«لوغوس هوب» معرض الكتاب العائم يرسو في شواطئ شط العرب

ثقافة 2023/04/05
...

 البصرة: صفاء ذياب

 تصوير: خضير العتابي

  

ما لوغوس هوب

قبل أن نتحدّث عن الفعّاليات التي تقام على ظهر الباخرة خلال الأيّام التي سترسو فيه بالبصرة، فهذه الباخرة يتمُّ تشغيلها كجزء من منظّمات خيريّة من قبل مؤسّسة كوت فوجر فور التي بُنيت في العام 1973 باسم عبارة جوستاف فاسا وعملت بين مدينتي مالمو (السويد) وترافيمونده (ألمانيا)، ولاحقاً غيّر اسمها إلى سفينة نورونا التي كانت توفّر خدمة الشحن من وإلى جزر فارو. 

ويتحدّث موقع ويكيبيديا عن هذه الباخرة، أن مهمتها بين السويد وألمانيا استمرّت لمدّة عشر سنوات، وفي أبريل/ نيسان 1983 تمَّ بيعها لشركة سميرل لاين في جزر فارو وأعيدت تسميتها إلى نورونا، فكانت تبحر من تورشافن عاصمة جزر فارو، إلى ليرويك جزر شتلاند، ثم عبر )بيرغن في النرويج إلى  هانستهولم في الدنمارك) وسييسيسفيورور في أيسلندا، وفي كل صيف، غالباً ما كان يتمُّ استئجارها في فصل الشتاء لتغطية جداول الإصلاح الخاصة بالمشغلين الآخرين. في 8 أبريل/ نيسان 1990، تعرّضت السفينة لحريق بسيط في أماكن إقامة الركّاب ممَّا أدّى إلى وقوع إصابات عدّة. كانت العبّارة مستأجرة إلى شركة بي أند إي للعبارات (العبارات الإيرلندية الآن) التي تسير بين بيمبروك دوك وروسلير. فتمَّ إجلاء الضحايا بواسطة مروحيات الإنقاذ التابعة لسلاح الجو الملكي إلى مستشفى ويثيبوش العام في هافرفوردويست.في العام 2003 حصلت شركة سميرل لاين على سفينة شحن جديدة، فعرضت سفينة نورونا للبيع، إذ اشترتها مؤسسة “كوت فوجر فور الي” في مارس/ آذار 2004. ومنذ فمطلع يوليو/ تموز2011 تبحر الباخرة بانتظام تحت علم مالطا عبر مجموعة من البلدان بعدما تمَّ تحويلها لمكتبة عائمة.ويؤكّد الصحفي أحمد سيف النصر أنَّ المعلومات المتوافرة عن تاريخ سفينة لوغوس هوب مبهمة وغير واضحة بشكل كبير، فمنذ انطلاقها في العام 1973 زارت أكثر من 480 ميناءً في 150 دولةً حول العالم، واستقبلت نحو 50 مليون زائر على متنها خلال تاريخها، وآخر إبحار لها كان في لبنان وتونس وليبيا ومصر، ورست في ميناء العقبة بالأردن، وبعدها ستبحر إلى دول الخليج العربي.

الباخرة التي رحّبت بوصولها أغلب الموانئ، رفضتها موانئ أخرى، مثل ميناء مصراته في ليبيا، تضمُّ 5000 كتاب في معرضها الدائم، فضلاً عن معارض للرسم ومطاعم وقاعات أخرى لإحياء الفعاليات الثقافيَّة. وقد رست في ميناء شط العرب ليلة الأحد الماضي، وكان الافتتاح الرسمي للباخرة صباح الاثنين، وبهذا أصدرت العام للشركة العامة لموانئ العراق بياناً صرّح فيه مديرها فرحان الفرطوسي أنَّ ملاكات الشركة أوصلت ربّان السفينة إلى محطة الإرشاد البحرية ومن ثمَّ نقلته إلى السفينة “لوغوس هوب” داخل المياه الإقليمية، لافتاً إلى أنَّ ربّان السفينة واثنين من الإدلّاء البحريين العراقيين سيقودون السفينة إلى مرساها في شط العرب قرب القصور الرئاسية.. وأضاف الفرطوسي أنَّ موانئ العراق أسهمت بشكل فعّال مع حكومة البصرة المحلية لإنجاح فعّالية السفينة ومعرضها العائم للكتاب والفعاليات التي ستقام عليها خلال مدة بقائها في البلاد.

 

ثقافة البصرة

منذ شهور تستعد مدينة البصرة لإحياء الفعاليات التي خططت لإقامتها على ظهر باخرة لوغوس هوب، في اجتماعات مستمرة بين محافظة البصرة من جهة، واتحاد الأدباء وجمعية الفنانين وجمعية المصورين وغيرها من الاتحادات والجمعيات في المدينة، وقد ابتدأت هذه الفعاليات بإقامة أمسية شعرية في القاعة السفلية في الباخرة، فضلاً عن معرض للرسم والخزف والخط في القاعة العلوية، ومعرض فوتوغرافي في إحدى القاعات.

ويخطط أن تقام عدّة فعاليات على ظهر الباخرة تعنى بتراث البصرة وتقديم وجهها الثقافي، مثل معرض رسم للفنانين حسين النجار، سمية هاشم، يوسف رياض، وخنساء من الساعة (9 إلى11 مساء يوم الاثنين الماضي). وفي اليوم الثاني سيقان معرض الفنون التشكيلية وجلسة لأديبات البصرة مع منظمة أقلام الريادة، وقد خُصّص اليوم الثالث لكلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة، فضلاً عن الكورال للمقطوعات التراثية..

وستعرض في الأيام اللاحقة أفلام وثائقية ومن ضمنها فيلم لمؤسسة النهضة، فضلا عن محاضرات عن تراث البصرة وأهميتها حضارياً.

وربّما شعر الكثير من زوّار الباخرة بخيبة أمل كبيرة بعد دخولها لها، بسبب قلّة الكتب المعروضة، فأية مكتبة في العراق يزيد عدد كتبها عن أضعاف هذا العدد المعروض، وهو 5000 كتاب فقط، أغلبها إن لم يكن جميعها باللغة الانكليزية أو اللغات الأخرى غير العربية، فضلاً عن أن كتب الأطفال والأدوات التعليمية هي الطاغية على المعرض، فضلا عن أن الباخرة لم تكن مفتوحة بالكامل للزوار، فقط أجزاء من طابقين لا أكثر، وهما اللذان تقام فيهما الفعاليات.

 

ما حقيقة الباخرة

منذ أن دخلت هذه الباخرة الموانئ العربية، بدأت الأقاويل تذاع حولها، فكما أشرنا إلى أنَّ هناك موانئ رفضت رسو هذه الباخرة، مثل ميناء مصراتة في ليبيا. فقد أعلن المجلس البلدي في مصراتة يوم 28 يوليو الماضي، الغاء استضافة هذا المعرض، بسبب تلقّيه العديد من التحفّظات من جهات اعتبارية، ومهتمّين من المدينة وخارجها، باعتبار أن المعرض قد يؤدّي لتوجيه رسائل عبر جهات تتعارض في أنشطتها مع قوانين الدولة الليبية. مؤكداً أنَّ السفينة لها مهام تنصيرية حول العالم تحت ستار نشر الثقافة والتعرّف على الآخر إذ إنَّ واجهة أنشطتها هي العمل كمعرض كتاب عائم يجوب موانئ العالم، وذلك تحت إشراف شركة OM التي تعمل في مجال التنصير، أو التبشير لنشر الديانة المسيحية، ويظهر ذلك من قيمها وأهدافها ورؤيتها المعلن عنها.

ويشير الصحفي أحمد سيف النصر إلى أن الإشكال يبدأ من اسم السفينة “لوغوس هوب” فكلمة “هوب Hope» تعني الأمل في اللغة الإنكليزية، أما كلمة لوغوس فتحمل دلالات واستعمالات مسيحية عقدية، فقد ذكرت في أسفار العهد القديم، وجاءت بمعنى “كلمة المسيح”، فمعنى اسم السفينة هو “الرجاء في اللوغوس أي الرجاء في المسيح”، بينما يقول طاقم السفينة إنَّ معناها “كلمة الأمل” من دون أن يحددوا ماهية المعنى! 

أمّا ما يقوله المشرفون على السفينة هي أنَّها فقط “جمعية خيرية”، لكن في الواقع سفينة لوغوس هوب تابعة لطائفة مسيحية إنجيلية تدعى “حملة التعبئة”، مقرها ألمانيا، وتعرف اختصاراً بـOM  وتمارس التبشير بشكل غير مباشر، بحسب سيف النصر.

وحسب ما تعلن فإنّها تعمل في أنحاء العالم، ومهمّتها إيصال كلمة يسوع إلى كلِّ جيل وكلِّ بلد، ومشاركة الإنجيل مع الأشخاص الذين لم يتعرّفوا عليه بعد، فضلاً دعم وتشجيع الكنائس المحلية، وهذا ما حدث بالفعل في مصر، حيث زار طاقم السفينة معظم كنائس بورسعيد، وكرّمت الكنائس المصرية بشكل رسمي طاقم السفينة وقدمت لهم الهدايا التذكارية.من جانب آخر، تبيّن الكاتبة هبة ياسين أن الكثير من الأقاويل والتحذير طاردت الباخرة من بعض متطرّفي الرأي، ودعوات لمقاطعتها بدعوى أنّها “سفينة تبشيرية”، وأنَّ المؤسّسة التي تقوم عليها هي مؤسسة مسيحية تمارس التبشير، وما أسهم في رواج هذه الشائعات أنَّ السفينة تضم الكثير من الكتب عن الديانة المسيحية، وأيضاً نسخاً من الإنجيل، برغم كونه أمراً مألوفاً من مكتبة تأتي من دولة مسيحية.

وتدافع ياسين بقولها: إنَّ الوضع على السفينة يدحض الاتهامات بالتبشير، فلا أحد من طاقم السفينة يحدّثك عن المسيحية أو مميزاتها، أو يدعوك لاعتناقها، الطاقم غالبيته من الشباب دون الثلاثين وهم لمساعدة الزوّار والإجابة عن أيّة أسئلة فقط، وهي غالباً ما تنحصر في السؤال عن الأسعار أو كيفية التطوع للعمل على السفينة. فالاتهامات نفسها واجهت “لوغوس هوب” خلال زيارتها ليبيا، إذ حذّر مكتب الأوقاف والشؤون الإسلامية ببنغازي على صفحته في “فايسبوك” من زيارتها تحت دعوى أنّهم يقومون بتنصير المسلمين وليس هدفهم نشر العلم والمعرفة، وفقاً لبيان “مكتب الأوقاف ببنغازي”.

وربّما، وبعيداً عن آراء الصحفيين والباحثين العرب حول هذه الباخرة، فمثلما كانت هناك دعوات لزيارة الباخرة والمشاركة في فعالياتها من قبل محافظة البصرة والاتحادات الثقافية في المدينة، فقد شُنّت حملة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقها عراقيون ضد هذه الباخرة، مطالبين بمعرفة دوافعها الحقيقية.ومن يدخل للسفينة، لن يشعر بأي شيء مما يسمّى تبشيراً أو دعوة لـ (الإبراهيمية) حسب ادعاء البعض، فضلاً عن أنَّ الكتب التي تخص المسيحية والديانات الأخرى، وضعت عليها لافتات تشير إلى أنَّها (ليست للمسلمين)، وهو تنبيه على أن هذه الكتب تخص الديانات الأخرى، بالتأكيد ستكون المسيحية على رأسها.