رمضان شهر التأمل والامتنان

استراحة 2023/04/06
...

 جنان مهاجر

 ترجمة: شيماء ميران

مع ولادة الهلال الجديد، تبدأ المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم صيام الشهر المقدس. الكثير منا يتهأ جسدياً ونفسياً لأداء هذه الفريضة الدينيَّة، وهي الصيام من شروق الشمس حتى مغيبها، وإعطاء الصدقات، الالتحاق بالمجتمع لأداء العبادة، والتوجه الى داخل النفس لتجديد الالتزام الديني.

يكمن جمال شهر مضان بالنسبة للمجتمع الأميركي المسلم في تنوع الشعائر. فهناك العديد من الطرق التي تحتفل بها الأسر والثقافات وتمارسها خلال هذا الشهر الفضيل، من خلال ترسيخها بشكلٍ جماعي في بعض الطقوس المقدسة المحددة عبر المجتمعات الإسلاميَّة. تتجمع الأسر في المنازل قبيل الفجر بساعاتٍ لتناول السحور قبل أنْ يشرعوا بصيام يومهم. 

وعند الغروب، تتجمع مرة أخرى للإفطار، وتعدُّ هذه الوجبة موعداً لإكمال صيام ذلك اليوم، تُقام صلاة جماعيَّة خاصَّة في الجوامع خلال رمضان تسمى "التراويح"، يُقرأ القرآن خلالها من بدايته وحتى النهاية على مدى ثلاثين يوماً.

نظراً لكوني أماً لعائلة فيها تنوع عرقي، فإنَّ طقوسنا في رمضان دائماً تعكس مزيجاً من التراث الأمريكي الهندي الفلسطيني الايرلندي. فمثلاً تحتوي طاولة الإفطار بنحوٍ منتظم على الدجاج بالزبدة، والحمص، والبطاطا المقلية، وهو مزيجٌ من شأنه يخلط بين جدتي الهندية. تكون صلواتنا دائماً ثنائيَّة اللغة، ومن السهل التبديل بين العربيَّة والإنكليزيَّة. وبطريقتنا البسيطة، فإنَّ عائلتي هي مثالٌ على التنوع الموجود في المجتمع الاميركي المسلم.

ابني الأكبر متحمسٌ جداً هذا العام لأنه شارك بالكامل في طقوس الصيام. وبينما استعد لمساعدته بالبحث عن طقوس رمضان في المدرسة، كنت أفكر في درسين يستوعبهما من هذا الشهر الفضيل ليطبقه على بقية أيام العام.


للتذكر وإعادة الترابط

تنزل وحي القرآن على النبي محمد "ص" في رمضان. وبحسب الموروث الإسلامي، فقد كان النبي يصعد الى كهف يسمى "حراء" خارج مكة، وكانت ممارسته هذه تأمليَّة، ليظهر أمامه جبرائيل "ع" وقال: "اقرأ" فأجابه النبي: "لا أستطيع القراءة". ثم أمره بتلاوة الآيات: "اقرأ باسم ربك الذي خلق... " وكانت هذه الوصية الأولى. ومن أكثر ممارسات رمضان شيوعاً هو المواضبة على قراءة القرآن جماعة أو فرادى. أما بالنسبة لأولئك الذين لا يجيدون اللغة العربية، وهي لغة القرآن الكريم، فمن الشائع اللجوء الى ترجمة القرآن وتفسيره. ومن خلال تدبره، واستذكار والتواصل بالقصص والدروس التي ترسي أجزاءً كثيرة من حياة المسلم، لكنْ يمكن أنْ تضيع في خضم تغير الحياة اليوميَّة. يدعونا رمضان إلى إعادة الاتصال بالغاية والمقصود من العقيدة الإسلاميَّة.


ميول جديدة في رمضان

قال لي جدي مراراً: "إذا كنت تريد أنْ تبدأ عادة جديدة، فابدأها في رمضان"، ما يعني أنَّ الجمع بين العادة الجديدة والصيام لمدة 30 يوماً يساعد على ترسيخها في حياة المرء. ففي كل شهر رمضان، تحاول عائلتي دمج عادة صغيرة جديدة في ممارساتنا الدينيَّة اليوميَّة. في العام الماضي، دعوت أطفالي للانضمام إليَّ في كتابة قائمة الامتنان اليوميَّة على مائدة العشاء، ثم مشاركة ما كنا ممتنين له. تعلمنا أنْ نشعرَ بالامتنان للطعام اللذيذ الذي أعدته الجدات، والنوتيلا وسكاكر الـ أم آند أمز، والأصدقاء القدامى والجدد. 

وبالتالي، نتعلم القليل عن بعضنا البعض في هذه العملية. أما هذا العام، فآمل أنْ نتمكنَ من الاستمرار في إعداد قوائم الامتنان وإضافة عنصرٍ آخر من خلال تسجيل فعلٍ واحدٍ من الكرم الذي مارسناه في يومنا هذا، سواء كان بسيطاً مثل قول "مرحبًا" لجيراننا، أو مساعدة صديقٍ في المدرسة، أو التبرع لمنظمة محليَّة.

كما أنَّه وقت التقاء الجماعة والأسرة. يدور هذا الشهر حول شحذ الهمم الروحية والفردية، فضلاً عن الوفاء بالتزاماتنا تجاه الآخرين في حياتنا. أنا ممتن لأنَّ الفرصة تتاح لي سنوياً للتفكير في ممارستي الروحيَّة كمسلمٍ ولتجديد كيفية الظهور في عالمنا. 

عن موقع انتر فايث اميركا