للحوار ثلاث طبائع هي الصمت والإصغاء والكلام، وتأتي متوالية حسب هذا الترتيب، فالذي لم يستطع الصمت دقيقة واحدة كيف يستطيع الإصغاء ليحاور الآخر، الإصغاء يكاد يكون الموهبة الكبرى التي إذا فقدها الإنسان، فقد الكثير من توازنه
وقيمته الإنسانية، وكثيراً ما نرى هذه الأيام على الشاشات المتحاورين في سجال منفلت يسوده الضجيج والصخب،
وقد أضاعوا صمتهم المشع، الصمت الذي يوفر فرصة الإصغاء للآخر المتكلم، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الفهم المتبادل وتدمير اللحظة الممنوحة لتأسيس حوار فعال لبناء مشروع
مشترك.
في لحظة الصمت يتجلى إصغاء جليل، وتتكون رؤية تنير الفكرة في ذهن الصامت لسد الثغرات وتصويب الأخطاء، او تبيان الاختلاف بجدواه وفعاليته التي تديم حركة الحياة،
حياتنا.
كلنا ندعي ونعلن قبولنا بالرأي الآخر، ولكننا نرفض الإصغاء إليه، ونتوهم إن الحقيقة تكمن في الأصوات العالية والصاخبة، الأصوات التي تستغل الزمان والمكان.
واعتقد ان كل واحد منا باستطاعته أن يتأكد ويثبت انه لا يمكن أن يكون محاوراً فاعلاً ورصيناً، لبقاً إذا لم يحسن استخدام أذنيه قبل استخدام لسانه،
فكلما أصغى احدنا بعمق لكلام الآخر، منحه الثقة في الاستعداد لصياغة الأفكار، ومنح نفسه اللحظة الأكثر براعة في الرد والحوار، ومن يصمت
ويصغي طويلاً يتفوه بقوة، ألم يؤكد اغلب الفلاسفة ان من يريد طريق المعرفة والحكمة عليه أن يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنوات، وما أرادوا بهذا الا الإصغاء لحركة الحياة ومحاورة الآخرين،
عبر السؤال الذي يصوغ فلسفة الديمقراطية وحكمتها التي ليست في حرية الصخب والعويل، بل حريتها وقوتها في جوهر الصمت والإصغاء قبل الكلام الذي قال فيه الشاعر رسول حمزاتوف: في سنتين تعلمت الكلام وبقيت ستين سنة
أتعلم الصمت.