مفهوم القيم الاحتوائية ضمن بناء الجسور والوحدة والرابطة الاجتماعية في شرنقة المصالحة الوطنية يعكس توجهاً إيجابياً ودافعاً لسياسة أكثر تسامحاً وتركيزاً على العدالة الاجتماعية، على الرغم من الصعوبات والعوائق المتصلة بالموضوع.
والحديث عن المصالحة بشكلها العام والخاص هو المرور على الكنز الانساني المرتبط بالديمقراطية التي يطالب ويرغب بها الكل لما لها من تحقيق سلام وتطور حضاري مهم في الحياة المعاصرة، (( إن تحب الغريب كما تحب نفسك بالرغم من اخلاصك لمعتقدك )) هو المحتوى الأول الذي يتحقق بالثقة، ولولا هذا التأكيد على العيش بسلام وبناء ورفاهية ضمن مفهوم احتواء الكل في بداية تبادل الحوار ومطابقة الرأي والعمل المشترك من أجل بناء الوطن والمجتمع
للجميع.
إن دعوة الاخرين الى مائدة العمل الخلاق والموضوعي هو المحتوى الثاني خارج دائرة الشك والعودة الى الفراق، نعم هنالك عشق للزعامة، للتفرد، لكن هناك وطن وشعب وامة تحتاج الى ألوان مختلفة ضمن المجموعات العاملة المتكاملة للجلوس على مائدة فيها الخطاب البناء والغيرة والسعي الحثيث لإبعاد العداوة والانفتاح الى النفس الصريحة الشجاعة بالأقوال والافعال لرسم طريق فيه النفق مضيء وآمن.
القيمة الأخرى ومهما يبدو الاخلاص فيها واضحاً، لابدّ أن يكون هناك دعم مباشر ونقي للخلاص من التشدد وتكرار الماضي بعلاقاته السلبية وذلك بضبط عامل التهديد والوعيد واتباع الخط الطويل لمفهوم الخير، خير يصيب الجميع وفقاً للهوية الوطنية، وارتباط كل متغير نحو الأفضل باعتباره خطوة نحو مشروع إنقاذ البلد من ويلات قاسية على الكل، وهي بالتالي تبدو انموذجاً يستحق وفق معطيات حاجة الناس للبحث عن الكفاءة والمقدرة والاعتزاز بالمصالح العليا والسلوكيات الخاصة بالمجتمع وارتباطها بالعالم الخارجي أولاً وتماسك الجبهة الوطنية من الداخل ثانياً، وهذا يعزز الخير والنصر
المؤزر.
وإذا تم الوصول الى قناعة إن العقول قبل القلوب تدرك إن الخير أفضل من الشر، وإن من حمل مسؤولية نشره هو الإنسان، وربما يلجأ الإنسان الاخر في تفسير آخر للمسؤولية لكنه يصطدم بالشمس، كلاهما يلتقيان بنهار واضح، الضوء لهُ ارتباط بالخير، بالصالح، بالمبادرة، بالقسم الجماعي، إن الوطن فوق الجميع.
ولا نفترض إن العقل يحتوي نظاماً لترتيب العلاقات البشرية بصورة مميزة، إنها الحقيقة التي لا تحتاج الى معالجة ولا تفسر من ضمن التناقضات، لأنهُ يستطيع أن يكون وليد لحظة، والصعود فوراً الى الواقع وذلك إن بناء العقل هو هكذا، إنه يتسع الى حصاد جميع المراتب عند الإنسان.
إن العلاقة الإنسانية يجب أن تكون علاقة يقينية إذا أردناها تتجاوز الاحتمالية والمستحيلة وبذلك تصبح قيمة احتوائية أيضاً بشروطها (( قوية ومتينة )) حتى نستطيع أن لا نعتبر العواطف كافية للمشروع بقراءة أي بند للتصالح، للتسامح، للعفو عندما تنسجم ثقافة الكل نحو الأساسيات لراحة
المواطن.
إن المصلحة المرسلة ويقصد بها (( النفع العام )) لا يرضى العقل الراجح أن يكون بعض الأفراد أو الجماعات في بحبوحة من الخير ومن يحيط بهم من الناس في ضنك العيش ! إن القيمة الاحتوائية لهذهِ النقطة بالذات تأبى توجيه السهام الى الأفئدة من أبناء الوطن، إنه ضعف في الشعور، وموت الوجدان، وفساد الأخلاق، وبالتالي موت المجتمع في مرضٍ وبيل ولا أعتقد إن أحداً يتخلص من عاقبة شرّه !
إن قيماً احتوائية كثيرة داخل نجاح أي مصلحة بين أبناء الوطن لابدّ أن تعود بالفائدة لأبناء الشعب وللبلاد نفسها وهو شرف للنفس، وعزّ ومجد ومروءة وخدمة وطنية صالحة تعلي شأن الجميع وكما قال المعري:
فلا هَطلتّ عليّ ولا بأرضي
سحائِبُ ليس تنتظم الِبلادا