صعود برامج تلفاز الواقع الرياضيَّة

بانوراما 2023/04/08
...

 أندرو أنثوني

 ترجمة: مي اسماعيل

من ركوب الأمواج والتنس إلى الفورمولا1 وكرة القدم؛ يأمل التلفاز باجتذاب جمهور أصغر سنا بعرض مسلسلات من وراء كواليس الرياضة. في الحلقة الأولى من برنامج التنس الذي يقدم من وراء الكواليس على منصة «نيتفليكس- Netflix» اعترفت «كوستين هاتزي» (22 عاما) صديقة اللاعب الأسترالي «نيك كيريوس» ضاحكة انها لم تشاهد مباراة تنس في حياتها؛ قائلة :»انه لأمر جديد بالنسبة لي». وهي تمثل في هذا الصدد صورة طبق الأصل للجمهور الذي تسعى خدمة البث المباشر (بل والتنس ذاته) بالفعل لجذبه.

استقطاب المشجعين الشباب

لطالما كان التلفاز الرياضي حكرا على المعجبين المتفانين؛ ذلك النوع من الأشخاص الذين يمكنهم استرجاع النتائج والتسجيلات والإحصاءات، ويميلون أن يكونوا ما يسميه «جيمس جاي ريس» (المنتج البريطاني لبرنامج «بريك بوينت- Break Point»): «الجمهور الرجالي الباهت القديم». ورغم أن تلك القبيلة من المشجعين المتحمسين راسخة بشدة في مقاعدها (أمام التلفاز)؛ لكن أفرادها يتقدمون بالعمر، ويتمثل التحدي أمام العديد من الرياضات باستقطاب جمهور أكثر شبابا؛ نوع من المشاهدين الذين تتمثل تجربتهم الرئيسة في التلفاز بمشاهدة برامج مثل «جزيرة الحب» أو «الخونة». الآن هناك مجموعة متنوعة من برامج تلفاز الواقع الرياضية في الطريق؛ منها واحد يوثق بطولة الأمم الستة للركبي لهذا العام، ومن المقرر عرضه العام المقبل. وسيكون هناك برنامج لتتبع أبطال الغولف لموسم واحد (يعرض قريبا)، اضافة لمسلسلات تلفازية من وراء الكواليس عن كأس العالم لكرة القدم 2022 وسباق فرنسا للدراجات وألعاب «انفيكتويس-Invictus Games». 

يقول «ريس» (الذي انتج أيضا فيلم «سينا- Senna» الرائد عن سائق السباقات البرازيلي «أيرتون سينا» وسلسلة «فورمولا وان-Formula One» بعنوان «القيادة للبقاء» على منصة «نيتفليكس»، التي ستعود قريبا بموسمها الخامس): «للجمهور شهية بالذهاب لأبعد من النسخة المعروضة للرياضة، وفضول هائل حول نجوم الرياضة ورغبة لفهم الرياضة بطريقة مختلفة، ولرؤية الجهد الشخصي بالذهاب وراء الكواليس». يرتبط الجمهور الأصغر سنا بمنصات الوسائط الاجتماعية؛ حيث يجري تسويق الشخصية بصورة الشهرة، ويرتفع المشاهير إلى مكانة العلامات التجارية. يجلس لاعب كرة القدم «كريستيانو رونالدو» على رأس السُلّم، وله 542 مليون متابع على انستغرام. وتشير التقديرات أنه يكسب نحو 1.65 مليون جنيه إسترليني (نحو مليوني دولار) لقاء المنشور الواحد؛ مما يعني أكثر من 82.5 مليون جنيه إسترليني (نحو 102 مليون دولار) سنويا. ولكن حتى هاتزي (صديقة اللاعب الأسترالي كيريوس)، والتي أصبحت مؤثرة «influencer» في مجال الجمال؛ لديها الآن نحو 172 ألف متابع على المنصة ذاتها. وقد استفادت من نحو ثلاثة ملايين ونصف مليون متابع جعلوا كيريوس أحد أكثر لاعبي التنس متابعة؛ رغم احتلاله المرتبة 20 فقط عالميا!  

كشف النزاعات الخفيَّة

يُدين رونالدو بشهرته لكفاءته؛ لكن هناك دلائل تشير إلى أن الشخصية يمكن أن تبدأ بالتفوق على الأداء.. حتى الآن جرى تقديم الرياضة بشكل جيد من خلال التغطية التلفازية المتخصصة؛ لكن هناك تصورا الآن أن القيمة الدرامية غير المستخلصة تكمن في القصص الشخصية المحيطة بالرياضيين، والحياة خارج المنافسة. ولعل مسيرة «ديفيد بيكهام» كانت (من بعض النواحي) نبوءة لهذه التطورات؛ فرغم أنه لم يكن أبدا لاعب كرة القدم الأكثر موهبة في بريطانيا؛ فقد أصبح الأشهر عالميا، نظرا للطريقة التي قدّم بها صورة منسقة بعناية. وهذا الوعي المتزايد «بالصورة» هو الذي أنتج أيضا سلسلة عن الدوري الإنجليزي الممتاز «كل شيء أو لا شيء» على منصة «أمازون برايم». فعندما أخذ الكاميرا الى غرف تبديل ملابس اللاعبين، (التي كانت قصيّة سابقا) في نوادي مانشيستر سيتي وتوتنهام هوتسبير والأرسينال؛ كشف البرنامج عن نوع النزاعات التي كانت مخفية تقليديا عن الأنظار العامة، إضافة إلى لقطات لسيارات لاعبي كرة القدم عالية الأداء والديكورات المنزلية باهظة الثمن. والأكثر من ذلك قدم البرنامج لمحة عن الرياضيين بعيدا عن الكليشيهات في مقابلات ما بعد المباراة. 

في الولايات المتحدة، حيث النزعة أكثر تقدما؛ نال كل شيء؛ من الركبي وفرق تشجيع اللاعبين الى رياضة ركوب الأمواج عناية تلفاز الواقع. كما انها أيضا السوق حيث يُنسب الفضل إلى برنامج «القيادة للبقاء»، لفتح سوق لجمهور أوسع وأصغر سنا. ارتفعت تقييمات التلفاز لرياضة الفورمولا1 بنسبة أربعين بالمئة بحلول عام 2021، وأزال العرض عتمة الخوذات عن حياة السائقين وقدم أسلوب حياتهم عالي الضغوط (وإن كان فاخرا) إلى جيل جديد من المشاهدين. يقول «روس براون» المدير التنفيذي السابق لـلفورمولا1: «لقد أعطينا للسائقين هوياتهم، وهذا تعزز من خلال «القيادة للبقاء» الذي ركز حقا على الشخصيات». أثبت بعض الرياضيين استعدادهم الطبيعي للوقوف أمام الكاميرا، وباتت شخصيات كانت سابقا ضبابية (مثل «توتو وولف» مدير فريق مرسيدس و»كريستيان هورنر» مدير فريق ريد بول) وسط مسرح معركة إرادات ومكائد مثيرة للاهتمام. رفضت بعض الفرق الكبرى في البدء (مثل مرسيدس وفيراري) الاشتراك بالبرنامج؛ وهي رياضة مشهورة بالسرية يكون الوضع المألوف للتواصل فيها هو جنون العظمة؛ لكنهم تراجعوا عندما رؤوا معدلات المشاهدة. ومع ذلك كشف عدد من السائقين ومديري الفرق عن مخاوفهم بشأن الطريقة، التي يتم بها تعديل الأحداث (مونتاج) لخلق تنافسات وتوترات زائفة؛ كما لو أن كل شيء (من دون الكاميرات) عادة ما يكون سلاما وانسجاما في الحلبة. والاتهام الأكثر خطورة هو أنه عند تصعيد الدراما؛ أثرت التغطية على نتيجة المنافسة. 


بين الفوز والشهرة

على الرغم من أنه لا يرى مصداقية للقول بتفعيل الاحداث لصالح الدراما التلفازية؛ لكن ريس يعتقد أن الحواجز بين الأحداث الرياضية والقصص، التي تحيط بها مقدرٌ لها أن تتفكك في المستقبل؛ من خلال تغطية تلفازية أكثر شمولاً، قائلا: «أعتقد أنك سترى تشعباً في ستراتيجيات البث التي ستجعل التجربة أقل انعزالا وأكثر مرونة. ومع تطور السرد سيصبح التوثيق  والتجربة الحية أكثر اندماجاً». 

إذا كانت مسلسلات مثل «القيادة للبقاء» و»بريك بوينت» هي الخطوات الأولى لهذا المسار؛ فمن الملاحظ أن عروضا متنوعة حول تلك الرياضة تنتشر على جهات بث مختلفة. وتتنافس منصات اخرى لعرض جوانب متنوعة من خفايا وكواليس الالعاب الرياضية. واجهت بعض العروض مشكلات اصابات اللاعبين وخساراتهم وتعطلهم، وتحدث بعض المراقبين عن «لعنة نيتفليكس». لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كانت المشاركة في برنامج تلفازي واقعي لها تأثير سلبي على الأداء؟ فعند نهاية المطاف في رياضة النخبة؛ تعتبر الهوامش دقيقة جدا لدرجة أن أي إلهاء يُنظر إليه على أنه تهديد. ومن الصعب أيضا تخيل أن الفائزين الكبار (مثل «هاميلتون» من بطولة الفورمولا1، أو «نوفاك ديوكوفيتش» بطل أستراليا المفتوحة للتنس) يسمحون للكاميرات بدخول غرفهم بالفندق كما فعل لاعبو التنس «ماتيو بيريتيني» وصديقته «أجلا تومليانوفيتش» في «بريك بوينت». ولكن عندما نتعرف على هؤلاء الرياضيين بصورة أقرب وأكثر حميمية؛ قد يصبح الفوز باللعبة أقل أهمية من الفوز بالاهتمام الشخصي. 


صحيفة الأوبزرفر البريطانية