علي حسن الفواز
مرةً أخرى تفتح العسكرة الإسرائيليَّة أبوابها لخيار الحرب، وتضع الممهدات الإيديولوجية عتبة لها، للهروب من تفاقم الأزمات، ولاستثارة الداخل الباحث عن الأمن، فاقتحام المستوطنين باحات المسجد الأقصى وممارسة العنف المفرط ضد المعتكفين الفلسطينيين في المسجد، يؤشر علاقة ذلك بالتحريض على ارتكاب المزيد من جرائم الحرب، وعلى قصف المدن الفلسطينية واغتيال قادة مقاومتها، مقابل تغويل الردود الفلسطينية، وتحميلها اصطناع تلك الحرب، رغم أنَّ الردَّ الفلسطيني على الاعتداءات لا يأتي إلّا في سياق الدفاع عن الحقِّ في الوجود، ومواجهة العنف وسياسات التهويد والاغتصاب، لأنَّ ما تقوم به العسكرة الإسرائيلية بجيشها ومستوطنيها يتجاوز الحدود الحمر، التي وضعتها المنظمات الدولية التي تكتفي بالتفرّج عليها في فلسطين، مقابل تحويلها إلى قضايا حقوقية ورأي عام في مناطق أخرى من العالم.
ادعاءات «إسرائيل» كثيرة ومحمية، فتصريحاتها عن الصواريخ تتحول إلى لعبة في تهييج الداخل الإسرائيلي، والمغالاة في صناعة العدو القومي والديني، فتشرع بتحريض المستوطنين على القيام بأعمال عدائية، كالحرق والاعتداء على الفلسطينيين، مثلما تدفعهم للقيام بأعمال استفزازية، وذات طابع إيديولوجي، يتماهى مع سياسة التطرف والعنف التي يقودها «نتنياهو» المهووس بفكرة العدو، ومحاولاته للتخلّص من الأزمة العميقة التي تواجهها سياساته الهوجاء.
ردود الفعل الدولية على ما يجري في الأرض المحتلة لا يتناسب مع ما يجري، فالدعوات إلى «ضبط النفس» مقابل السكوت على الجرائم الإسرائيلية تدفع إلى مزيد من العدوان، وإلى الضغط على إيجاد حلول «ترقيعية» تتجاوز الحق التاريخي، والشرعية الدولية، وتتغافل عن قضايا تخص سياسات الاستيطان والطرد المنهجي، وحماية المقدسات الإسلامية، والحقوق المدنية، وما يتعلّق بالهوية والثقافة والأمن المجتمعي، لكن الأكثر مرارة هو الموقف العربي، بسكوته وبراغماتيته السلبية، التي تتوهم أنَّ مواجهة إسرائيل ستكون خياراً صعباً، والدخول في حرب خاسرة، وهذا يجعل الحديث عن التأطير الحقوقي والأخلاقي لـ»التضامن العربي» محط ارتياب، وشكوك، لأنَّ ما يجري على الأرض من عدوان، ومن انتهاكات يتطلب موقفاً أكثر صرامة، وأكثر فاعلية في تحشيد الرأي العام الدولي والعربي لفضح حقيقة ما تصنعه العسكرة الإسرائيلية من سياسات ومن استيطانات تتناقض وكل قيم الشرعية الدولية.
