الآثارُ العراقيَّة بين الاسترداد والتنقيب

ريبورتاج 2023/04/09
...

   بشير خزعل 

  تصوير: نهاد العزاوي

 

تعرضت أغلب المواقع الأثريَّة في المدن العراقيَّة إلى خراب شامل بعد أحداث العام 2003، سرق ودمر منها الكثير، وما زالت بحاجة إلى جهود واهتمام غير مسبوق، إضافة إلى آلاف القطع والتماثيل،

 التي نهبت وهرّبت وبيعت في الأسواق السوداء خارج العراق،

 ما زالت تعاني مناطق أثرية وتراثية في مختلف  المحافظات من اهمال وضرر كبير، خرب وتلاشى بعضها  وسرق الآخر، أو طمر جراء التجاوزات، وبرغم بعض  الجهود والمحاولات في الحكومات السابقة لاستعادة   ما سرق وتلافي حدوث مزيد من الضرر، الذي  يحدث بسبب جماعات التهريب وقلة وعي البعض في الحفاظ على الارث الحضاري للدولة، ما زالت الآثار  بحاجة إلى حلقة متكاملة من  الحماية والتطوير والصيانة.


مؤسسات الآثار

ولا ينكر سعي الحكومات المتعاقبة إلى استرداد جميع الآثار، التي سرقت بعد سقوط النظام السابق، لكن تفاوتت درجة اهتمامها بهذ الملف من حكومة إلى أخرى، وأدى التهاون في ضعف الاجراءات السماح لبعض المنتفعين من المساومات والاستغلال، وحتى مساعدة جماعات التهريب على الافلات من قبضة القانون، الأمر الذي أصاب ملف الاثار بضرر كبير ما زالت آثاره قائمة حتى الساعة، كما أن ضرر داعش على آثار العراق لم يكن بالأمر الهيّن، فقد خرب، ودمر تحفًا أثرية نادرة لا يمكن تقديرها بثمن. المؤسسات الثقافية التي كلفت بمهمة اعادة تاهيل المواقع الاثارية التي دمرها داعش، لم تستطع لوحدها من تحقيق الشيء الكثير، فالامر يتعدى امكانياتها  الفنية والمادية والتفاوضية مع دول أخرى، وهي بحاجة لمساعدة المؤسسات السياديَّة والمنظمات الدوليَّة، التي تعنى بحماية وصيانة آثار العالم، وهذه الاخيرة لن تعمل لوحدها ما لم تجد إصرارًا وتعاونًا في تسهيل مهمة بعثاتها والتنسيق معها في مجال الصيانة والتطوير والاستكشاف. 


أحداث سياسيَّة

ضعف الاهتمام بالآثار أدى إلى قلّة الاهتمام بالترويج لها وتطويرها، لتكون مصدر جذب سياحي ومصدرا اقتصاديا، فلا وجود لاي اهتمام  بالمرافق الخدمية، التي يمكن أن تطور المناطق الأثرية بشكل يمكن أن يجعل منها مرافق سياحية تتوسع تلقائيا، الباحث في مجال الآثار والتراث حسن الجنابي متقاعد، عمل في مجال الآثار منذ بدايات ستينيات القرن الماضي، وله اطلاع واسع على مجمل المواقع الاثرية التي عمل فيها مع خبراء أجانب من بريطانيا وفرنسا وايطاليا تحدث عن اهم المشكلات، التي تواجه الاهتمام بالاثار العراقية كما في دول اخرى عربية واجنبية اذ يقول: الأحداث السياسية المتعاقبة التي مر بها العراق منذ بداية العهد الملكي، وصولا إلى يومنا هذا لم تشهد اي استقرار سياسي يتيح للحكومات، التي مرت على العراق من الالتفات إلى موارده الثقافية المتنوعة، فمن ثورة إلى أخرى ومن انقلاب إلى آخر، ماعدا فترة السبعينيات التي استقرت فيها الامور الاقتصادية والاجتماعية نوعا ما، فجاءت بعثات أجنبية، وحصلت أعمال تنقيب في مختلف المدن العراقية، وبدأ الالتفات إلى الاثار كجانب مهم،  يمكن أن يشكل رقمًا مهمًا في اقتصاد الدولة، ومع بداية الحرب العراقية الايرانية، طوي ملف الاثار وصولا إلى فترة الحصار الاقتصادي ثم الغزو الاميركي  للعراق، وهنا تعرضت الآثار العراقية إلى أسوأ عمليات الانتهاك والسرقة، واختفت اكثر من 50% من اهم الاثار العراقية مع ما دمره الدواعش خلال احتلالهم لبعض المدن العراقية.


اكتشافات وتدريب

باحث آثاري رفض الكشف عن اسمه قال: في شهر شباط من العام الحالي اكتشف علماء الآثار بقايا قصر عمره 4500 عام من مدينة جيرسو السومريَّة القديمة في جنوب العراق، اذ استخدم باحثون من مشروع جيرسو للتكنولوجيا والتصوير الفوتوغرافي بطائرات بدون طيار لتحديد البقايا الجوفية لمجمع كبير غير معروف سابقًا في موقع الآثار في تابلت هيل في مدينة تيلو العراقية الحديثة. اذ تضرر تابوت هيل بسبب أعمال التنقيب خلال القرن التاسع عشر والصراع في القرن العشرين، تم وصف تابيل هيل بأنه "مهد الحضارة" وواحدٌ من أهم المواقع التراثيَّة في العالم، التي لا يعرف عنها سوى قلة قليلة من الناس، ويرجع ذلك إلى مكانة جيرسو كواحدة من أقدم المدن المعروفة في العالم. 

كما تمَّ العثور على أكثر من 200 لوح مسماري مع كتابات سومرية قديمة في أكوام من الغنائم، وهي أكوام من المواد التي تمَّ التخلص منها من أعمال التنقيب السابقة خلال القرن التاسع عشر. وتم إنقاذ الأجهزة اللوحية التي تحتوي على تفاصيل السجلات الإدارية لجيرسو، ونقلها إلى متحف العراق في بغداد. واضاف: هذا الاكتشاف من خلال مبادرة مشتركة لسنوات متعددة بين مجلس الدولة العراقي للآثار والتراث والمتحف البريطاني، فالمشروع يُعالج الأضرار الناجمة عن الحفريات المبكرة والنهب الحديث من خلال إدارة الموقع والتدريب الميداني لطلاب الآثار والمحافظين في العراق.


حماية

 وزارة السياحة والثقافة والاثار العراقية أعلنت في وقت سابق خطة، لحماية المواقع الأثرية في البلاد وتأمين عمل بعثات التنقيب المحلية والأجنبية، في خطوة  لمنع المتجاوزين، لا سيما بعد أن تعرضت مواقع أثرية كثيرة لأعمال النهب والتخريب، فضلاً عن التجاوزات المنظمة من قبل المهربين والسراق. ووفقا لتقديرات مسؤولين في هيئة الاثار يوجد ما يقرب من 20 ألف موقع أثري في العراق، والأعداد ستزيد في حال اكتمل المسح للمواقع الأثرية في جميع المدن العراقية. الدكتور أحمد فكاك البدراني وزير الثقافة والسياحة والآثار أثنى على الجهود الكبيرة والتعاون المثمر، الذي تقدمه منظمة اليونسكو لقطاع الثقافة في العراق عموما، ومجال الآثار والتراث خصوصا، تصريحات الدكتور البدراني جاءت خلال المؤتمر الصحفي، الذي عقد على هامش زيارته مع مدير العام في منظمة اليونسكو أودري ازولاي إلى مبنى القشلة التراثي وشارع المتنبي في بغداد والمتحف الوطني العراقي، اذ بيّن وزير الثقافة وجود مشاريع مستقبلية بين الجانبين تخص مجال إعادة تاهيل وصيانة المواقع الاثرية في محافظات العراق، ومنها بغداد القديمة والمتحف الوطني، كما أكدت السيدة ازولاي مدير عام منظمة اليونسكو أن المنظمة حريصة على توسيع آفاق التعاون مع العراق في مجالات الثقافة والتربية والعلوم، وأن من واجبها مساعدة العراقيين لاستعادة إرثهم الحضاري العريق.


اهتمام

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تغريدة على صفحته الشخصية في تويتر بمناسبة مئوية المتحف العراقي أبدى تمسكه بالثروة الثقافية والهوية الآثارية، قائلا: نتمسك بثروتنا الثقافية والهوية الآثارية الموروثة من الأسلاف عبر آلاف السنين من الحضارة الرافدينية "الآثار ورعايتها واستعادة ما ضاع منها، تمثل لنا مهمة لن نتأخر عنها أبداً"،"تطوير المتاحف عنوان جهدنا في سبيل ألق حضارة العراق بعيون كل الأجيال".


بعثات

أعمال التسييج للمواقع الأثرية ابتدأت من بغداد مروراً بمحافظات الجنوب لمنع التجاوز على الآثار، كما فسحت المجال أمام أعمال التنقيب النظامية من قبل الهيئة العامة للآثار أو البعثات الدولية، لتكون أعمال التنقيب مراقبة وتحت السيطرة، اذ تنتشر بعثات اجنبية متخصصة بأعمال التنقيب للاثار في مدن عراقية مختلفة منها محافظة الديوانية، التي تعمل فيها بعثة تنقيب من ألمانيا في مدينة الوركاء الأثرية، ويوجد فريق مسح مشترك من فرنسا وإيطاليا يعمل في مدينة أريدو في محافظة ذي قار، كما توجد أعمال في الموصل من قبل بعثة تنقيب ألمانية وإيطالية.


قوانين

استاذ القانون في جامعة بغداد الدكتورعلي مطشر بيّن أن "القانون العراقي للآثار والتراث الملغي رقم 59 لسنة 1936 في الفقرة 5 من المادة 1 نصَّ على أن الآثار هي (الأموال المنقولة وغير المنقولة التي بناها أو أنتجها أو نحتها أو كتبها أو رسمها أو صورها الإنسان إذا كان عمرها مئتي سنة أو تزيد)، وقد شرّع قانون الحماية الجنائية للآثار والتراث في قانون الآثار والتراث العراقي رقم 55 لسنة 2002، بعد سنوات طويلة من الإهمال والضياع والتخريب، حيث وضع حداً وحماية جنائية للمواد الأثرية والتراثية، إذ جاء في الفصل السادس من القانون أعلاه وتحت عنوان (العقوبات) جملة من المواد القانونية الجنائية، وحددت من المادة (38) وحتى المادة (47)، حيث حملت كل مادة من هذه المواد تفسيراً واضحاً للجرم الواقع على المواد الأثرية والتراثية.

ونجد في القانون العراقي للآثار والتراث رقم 55 لسنة 2002، تعريف الأثر في المادة (4/ سابعاً) بأنه (الأموال المنقولة وغير المنقولة التي بناها أو صنعها أو نحتها أو أنتجها أو كتبها أو رسمها أو صورها الإنسان ولا يقل عمرها عن مئتي سنة، وكذلك الهياكل البشرية والحيوانية والنباتية). لذا نجد أن المشرّع العراقي في قانون الآثار الجديد قد سار في الاتجاه، الذي تبنته أغلب قوانين الآثار في الدول العربية والغربية، وهو أمرٌ في الاتجاه الصحيح لحماية ارث الدولة التاريخي والحضاري.