أعمال سيدوني غابرييل كوليت تستحق الخلود

ثقافة 2023/04/09
...

 عدوية الهلالي 


في ذكرى ميلادها المئة بعد الخمسين، أكد دومينيك بريشيمييه، أستاذ الآداب وعضو جمعية أصدقاء كوليت، قائلا: "كلما قرأناها أكثر، اقتنعنا أكثر بأنها تستحق الخلود وخصوصا بسبب حداثتها".لقد كانت سيدوني غابرييل كوليت المولودة في عام 1873 في بورغندي في فرنسا أول امرأة تحصل على جنازة رسمية. ودلالة على هذا الخلود، تم ادخال نصين للكاتبة، التي توفيت عام 1954 في باريس في منهاج البكالوريا لأول مرة هذا العام وهما رواية (سيدو) الصادرة عام 1930.


 وهي سيرة ذاتية لوالدتها ورواية (خيوط الكروم) الصادرة عام 1908 التي تستعيد فيها ذكرياتها في قرية طفولتها. كما تم مؤخرًا نشر ترجمتين جديدتين لرواياتها (شيري) الصادرة عام 1920 وهي الرواية الأكثر شهرة لكوليت، ورواية (نهاية شيري) الصادرة في عام 1926.كانت كوليت هي الأصغر بين أربعة أشقاء، وقد استقرت أسرتها الميسورة نسبيًا في قرية في بورغندي وكانت ترأس الأسرة والدتها (سيدوني) المعروفة باسم (سيدو)، ووالدها جول جوزيف وهو جندي سابق ذو شخصية قوية.

عكست أعمال كوليت شخصيتها التي تعبر عن مناداتها بالحرية في الحياة والأخلاق، فقد تناولت الموضوعات التي كانت لا تزال من المحرمات في ذلك الوقت مثل الازدواجية وتحرير المرأة.

عملت في المسرح من عام 1906 إلى عام 1912، وقدمت بشكل خاص عروضا إيمائيَّة مثيرة وجريئة مستوحاة من الشرق وقد ألهمتها السنوات التي قضتها على خشبة المسرح لكتابة العديد من الروايات شبه ذاتية، بما في ذلك "المتشردة"، التي نُشرت عام 1910. واستمدت الإلهام من سنوات الإهمال والاكتشاف التي كتبت فيها سلسلة رواياتها المكونة من خمس روايات والتي تصور الحياة الجريئة لكلودين، لكنها لم تكن تحمل اسمها، بل اسم زوجها هنري غوتييه فيلارس، المعروف باسم ويلي، والتي ظهر الجزء الأول منها "كلودين في المدرسة" في عام 1900. وفي عام 1907، بدأت تكتب اسمها على كتبها واستعادت أخيرًا هوية عملها بعد سنوات، كما سلطت الضوء على كيفية استيلاء زوجها السابق على حقوقها.

لقد اشتهرت كوليت كروائيَّة، وصحفيَّة، وراقصة وممثلة ولم تتوقف عن المطالبة بحريتها. كانت تكتب عن الطبيعة والحيوانات قصصا تتعلق بالتحرر التدريجي لفتاة من المقاطعات، كما عملت أيضًا كصحافيَّة ثم أصبحت مديرة أدبية لصحيفة لو ماتان في عام 1919. وكان لكوليت أيضًا العديد من العلاقات مع بلجيكا ومع العديد من الشخصيات المعروفة مثل جورج سيمنون والملكة اليزابيث. كما تم انتخابها أيضًا في الأكاديمية الملكية للغة الفرنسية وآدابها في بلجيكا في عام 1935، وكانت ثاني امرأة يتم انتخابها في أكاديمية غونكور في عام 1945 (بعد جوديث غوتييه) ثم أصبحت أول رئيسة لها في عام 1949.كانت كوليت غزيرة الإنتاج إذ كتبت ما يقرب من 25 رواية ونحو ثلاثين مجموعة قصصيَّة ومقالة وتناولت مجموعة متنوعة من الموضوعات، واتضح في أعمالها حبها للحيوانات والطبيعة، فضلاً عن فضولها تجاه مواضيع غير عادية مثل إدمان الكحول والأفيون والملذات الجسديَّة.

وتقول دومينيك بونا من الاكاديمية الفرنسية أن كوليت شاركت بشكل خاص في تحرير المرأة. ففي صيف عام 1914، ذهب معظم الرجال إلى الحرب. وبقي في باريس، كبار السن والأطفال والنساء فقط. وفي ذلك الوقت، كانت النساء وطنيات مثل بقية الشعب الفرنسي، لكن الحرب عدو في حد ذاتها، لأنها تهدد السعادة والحياة اليوميَّة. وبعد نشرها مقال دافعت فيه كوليت عن النساء وخوفًا من عودة حصار باريس عام 1870 والمجاعة التي أعقبت ذلك، غادرت العديد من النساء العاصمة وغادرت كوليت إلى منزل ريفي على مقربة من باريس. لقد أثبتت كوليت نفسها وقتذاك على أنها "امرأة متحررة" غير معتادة في زمنها، إذ كانت مطلقة، وتزوجت مرة أخرى، وكان شعرها قصيرا واشتهرت كرائدة في مجال حقوق المرأة. ولم تكن كوليت تحب العزلة، فقد انتقلت مع ثلاثة من أفضل صديقاتها الى منزل قريب من باريس ليكون مثل شرنقة السعادة وسط الحرب. وتقول بونا عن ذلك: "رائحة الحرية الجديدة تمامًا. تلك الحرية التي لا يعرفون تمامًا ماذا يفعلون بها".

كانت صديقاتها ينتمين إلى عالم الأدب الهامشي، فهناك (آني دي بين)، الصحفية التي حظيت بتقدير كبير في الصحافة في ذلك الوقت، وهي روائية أيضا وهي الأقرب إلى كوليت؛ وهناك أيضا (مارغريت مورينو)، الممثلة في الكوميديا الفرنسية ؛ وميوزيدورا (المعروفة باسم موسي) وهي ممثلة اشتهرت عام 1915 في السينما. كانت كوليت ورفيقاتها قبل كل شيء نساء يعشقن الحياة، بشعر قصير وسراويل أو تنورات قصيرة وهي ملابس محظورة على النساء اللائي كان يمكن تغريمهن إذا ارتدينها في الشارع. لكن كوليت ورفيقاتها لم يكتبن عن التاريخ بل كن شاهدات عليه. وقد كتبت كوليت مقالات مستوحاة من هذه الفترة فضلا عن روايتها عن الحرب العظمى بعنوان (الساعات الطويلة).

لقد استمتعت كوليت بلذة الصداقة والحياة البسيطة التي تحتوي على جزء من الحكمة والسعادة، أما الشباب، فقد كانت كوليت هي أفضل كاتبة فرنسية وصفت شيخوخة النساء، كما يتضح من رواية (شيري) و(القمح العشبي) فهي تتناول هذه القضية بلطف، ولكن من دون مبالغة.

وفي الخارج، اشتهرت كتبها، المستوحاة إلى حد كبير من حياتها، بفضل الفن السابع الذي اقتبس أعمال سيدة الأدب. ومنها الفيلم الكلاسيكي للسينما الأمريكية (جيجي) لفينسينتي مينيلي الذي عرض عام 1958، والمقتبس من قصتها القصيرة بالاسم ذاته، والذي نال تسع جوائز أوسكار. وفي عام 2009، تم انجاز فيلم (شيري) ومثلته ميشيل بفيفر. أما فيلم "كوليت" الذي تناول سيرتها الذاتية فقد جسدت دور كوليت فيه كيرا نايتلي وما يثير الإعجاب في قصتها، حياتها الملونة الجريئة المليئة بالتمرد وتجاوز الخطوط الحمر ومناداتها الدائمة بالحرية.

توفيت كوليت في عام 1954 في باريس عن عمر يناهز 81 عامًا. وقد رفضت الكنيسة الكاثوليكية لها إقامة جنازة دينية بسبب خياراتها في الحياة لكنها كانت أول امرأة تحصل على جنازة رسمية في دولة جمهورية. وبعد ما يقرب من سبعين عامًا على وفاتها، لم يفقد عمل كوليت أيًّا من حداثته المتأججة ونغمته الطليعية، وتمت إعادة اكتشافه وتحليله كثيرا كما ظهرت أعمالهاعلى الشاشة مرات

عدة.