سلحفاة عُمان.. رواية نادرة في أدب الفتيان

ثقافة 2023/04/10
...

 نجاح الجبيلي

صدرت رواية «سلحفاة عمان» للكاتبة والشاعرة الأمريكية من أصل فلسطيني نعومي شهاب ناي في عام 2014 عن دار نشر «هاربر كولنز» وبلغ عدد صفحاتها باللغة الإنكليزية 309 صفحات.  حازت على جائزة الكتاب العربي الأميركي لأدب الفتيان عام 2015. وتدور حول صبي يدعى عارف العامري من مسقط عاصمة عمان يريد أبوه وأمه أن ينتقلا لإكمال دراستهما في مدينة «آن آربر» بولاية مشيغان. وهو يكره الانتقال معهما على الرغم من أنهما يخططان للعودة إلى عمان بعد إكمال دراستهما.

وفي الأسبوع الذي يسبق سفره يقوم بزيارة لكل الأماكن المفضلة لديه بصحبة جدّه «سيدي» فيقومان بزيارة إلى مخيم صحراوي وساحل السلاحف ويذهبان في رحلة لصيد السمك ومغامرات أخرى قبل أن يغادر عارف. قسمت الرواية إلى 37 فصلاً وأعطي لكل فصل عنواناً معيناً مثل «سدادات الأذن» «ليمون» «وداعاً أيها الفيروز وحجر الكلس»...الخ. وتفاوتت طول الفصول إذ يحتوي أحدها على خمسة أسطر فحسب بينما الفصول الأخرى تكون طويلة.

إنَّ رواية «سلحفاة عُمان» ولدت من الإعجاب الطفولي لنعومي شهاب ناي بعُمان إذ أقامت فيها لمدة خمس سنوات. إنها رواية نادرة في التيار الحالي لقصص الفتيان.

عتبات النص أو النصوص المحاذية paratexts:

تشمل – حسب تصنيف جيرار جينيت- العناصر التالية: “العنوان، العنوان الفرعي، العنوان الداخلي، المقدمات، التذييلات، التنبيهات، التصدير، الحواشي الجانبية، الحواشي أسفل الصفحات، الهامش في آخر العمل، العبارات التوجيهية، الصور”. 

العنوان: على الرغم من أن العنوان يبدو ظاهرياً وكأنه يشير بصورة مباشرة إلى كثرة السلاحف ووجودها في عُمان إلا أن المؤلفة وضعته لكي يشير بصورة إيحائيَّة إلى الشخصيَّة الرئيسة في الرواية.

التجنيس: كتبت المؤلفة تحت العنوان الرئيس للكتاب كلمة “رواية” وعلى الرغم من أنها كتبت هذا الكتاب للفتيان إلا أنها جعلت التجنيس عاماً لا مخصصاً إذ حين يقرؤه القارئ لا يشعر بأنّها رواية للفتيان فقط بل إنّه مخصص للقرّاء الأكبر سناً أيضاً. 

الغلاف: صمم غلاف الرواية الفنان بستي بيترشميدت Betsy Peterschmidt. في تدرج لوني ما بين الأخضر الفيروزي الذي يمثل أمواج البحر وهي تتصل باللون البيج الذي يمثل شاطئ الرمل. وفيه بروفايل أمامي لسلحفاة تحمل زخرفات بألوان بنية. بينما كان خط العنوان يتموج محاكياً الأمواج في حركتها ومشابهاً لها في اللون.   

الإهداء:

يعد الإهداء من بين العتبات النصيَّة المهمة للولوج إلى النص الأدبي، “وقد يرد على شكل اعتراف أو امتنان، شكر وتقدير، رجاء والتماس، وإلى غير ذلك من الصيغ الإهدائية التي هي ممارسة اجتماعية داخل الحياة الأدبية يستهدف عبرها الكاتب مخاطباً معيناً ويشدد على دوره في إنتاج هذا الأثر الأدبي قبل وبعد صدوره، سواء في اختيار المهدى إليه أو في اختيار عبارات الإهداء”. 

تختار نعومي شهاب ناي الإهداء كالآتي:

«إلى محررتي المدهشة فرجينيا دونكان. عشرون سنة سعيدة من العمل معاً. دائماً نتذكر «عزيز» والحب الذي يشاركه معنا. إلى كل فرد في «المدرسة الأميركية العالمية» في مسقط – شكراً لوضع عرش صغير لضيفكم وتمرير طبق التمر. والشكر الموصول لفرانك ستيورات من هونولولو، الذي غيّر حياتنا للأبد».

جميع الشخصيات المذكورة في الإهداء مجهولون لدى القارئ ومعروفون لدى المؤلفة لأنهم كان لهم دور كبير في حياة الكاتبة وإبداعها ومنهم “عزيز” أبوها الراحل الذي كان يعمل صحفياً “إذ يفرض أن يكون الإبداع مكتوباً من أجل المهدى إليه إلا أنه يظل موجهاً إضافياً من موجهات معرفة الكاتب والنص على حدّ سواء” كما يقول جينييت.

  العبارة التوجيهية أو الاقتباسية epigraph

ذكر جينييت العبارات التوجيهيَّة وقال إنَّها تمثل صدى للعنوان والمتن الحكائي. ومنها ما هو ذاتي يكتبه المؤلف ومنها ما هو مقتبس من الآخرين وهو الأكثر تداولاً، “فبوساطة هذا الاسم المستشهد به يتموقع القارئ ثقافياً وأدبياً منذ البدايات”.

تقتبس المؤلفة نعومي شهاب هذه العبارة من الشاعر الصوفي سيدي بومدين:

ورود الحديقة تقودنا بابتساماتها.

سيدي بومدين (القرن الثاني عشر) وصاحب الاقتباس هو أبو مدين شعيب بن الحسين الأنصاري والمعروف باسم سيدي بومدين أو أبو مدين التلمساني ويلقب بـ»شيخ الشيوخ» ولقَّبهُ ابن عربي بـ»مُعلِّم المُعلِّمين» (1115 م - 1198 م): فقيه ومتصوف وشاعر أندلسي، يعد مؤسس أحد أهم مدارس التصوف في بلاد المغرب العربي والأندلس. تعلم في إشبيلية وفاس وقضى أغلب حياته في بجاية وكثر أتباعه هناك واشتهر أمره، فوشى به البعض عند يعقوب المنصور الموحدي بمراكش، فبعث إليه الخليفة للقدوم عليه لينظر في تلك المزاعم، وفي طريقه مرض وتوفي بنواحي تلمسان» 

وهنا نجد أن «علاقة هذه النص التوجيهي بالنص المركزي علاقة الجزء بالكل إذ إن الأول يحمل دلالة عامة بينما يفصل الثاني في أبعاد تلك الدلالة العامة بصورة ضمنيَّة». وتنهض هذه العلاقة من خلال ارتباط اسم هذا الشاعر الصوفي مع اسم إحدى شخصيات الرواية الرئيسة وهو «سيدي» جدّ بطل الرواية «عارف» وهو رجل حكيم وظريف يحمل صفات صوفيَّة وبدلاً من مساعدة عارف على حزم حقائبه يقترح عليه أن يقوما برحلة إلى أماكن مهمة في عُمان وتحتل هذه الرحلة مساحة واسعة من الفضاء الأدبي للرواية.  

عتبات أخرى:

تستعين المؤلفة بخارطة توضح مسير الرحلة المقبلة للشخصية الرئيسة في الرواية من مدينة مسقط إلى مدينة آن آربر بولاية مشيغان في الولايات المتحدة وهو عبارة عن خطٍّ منحنٍ ممتدٍّ ما بين المدينتين يمثل مسار الطائرة التي نقلت أباه عبرهما. 

الشخصيات:

عارف العامري- الابن، الأب، الأم، سيدي: الجدّ، مشمش: اسم القط، ديرام وسليمى: صديقا عارف، أمي سلوى: امرأة معمّرة من الجيران، فضلا عن شخصيات ثانويَّة أجنبيَّة من الهنود والجنسيَّات الأخرى.

ويلاحظ أنّ الكاتبة تدخل بعض الحيوانات كشخصيات مثل القط مشمش والصقر فلفل وغيرها وتضفي عليها صفات بشرية مما يدعو القارئ إلى النظر إلى المؤلفة كونها واعية بيئياً. وتتطلب الرواية دراسة من ناحية نقدية بيئية لتبيان مدى مقاربتها للوعي البيئي الحديث كما في إشاراتها الكثيرة إلى احترام البيئة وكائناتها مثل قول الشخصية الرئيسة في الرواية:

«يصطاد الناس السلاحف من أجل جلدها ولكن أمي قالت إنها لن تحمل محفظة مصنوعة من جلد السلاحف. فهو أمر غير شرعي».

 الشخصيات الغائبة: ابنا العم هاني وشادي اللذان سيحلان مكانه في البيت.

تقطع المؤلفة السرد لتأتي (بخط مائل) حقائق عن شيء أو كائن أو حالة معينة مثلاً عن السلاحف والذئاب والطيور وعن أماكن جغرافية معينة الخ...

ثيمات الرواية: المشاركة، الوعي البيئي، الهجرة، حب الوطن، رفض التغيير. إنَّ دفء السرد لدى نعومي شهاب ناي وانتباهها إلى التفصيل والاعتقاد بقوة التعاطف والرابطة تشرق في كل صفحة من الرواية. ولكون المؤلفة شاعرة أيضاً فإنَّ هناك العديد من القطع التي تشرق بالتفاصيل الشعريَّة الجميلة عن المشهد العُماني سواء المديني أو البحري أو الصحراوي. ومن أجمل الفصول هو الفصل الذي يصف مسيرة السلاحف التي توضع على ظهورها الشموع.  إنَّ نعومي شهاب ناي ككاتبة في أدب الفتيان مشهورة بحسّها ووعيها الثقافي. وقد نشرت في عام 1997 رواية “حبيبي” وهي روايتها الأولى للفتيان. ويتلقي القرّاء بليانا عبود وهي مراهقة عربية أميركية تنتقل مع أسرتها إلى بلدها الأصلي الذي يسكنه أبوها الفلسطيني خلال سبعينات القرن الماضي، لكي تكتشف بأن العنف في مدينة القدس لم يضعف. وتعلق ليانا بالقول: “في القدس، كان الكثير من الغضب القديم يعوم في الجوار... بحيث أن الجو كان يعجُّ بالبكاء والغضب والصلاة إلى الربِّ من أسماء مختلفة”. وترى ناي بأن كتابتها للأطفال والفتيان جزءٌ من أهداف كبرى لها في الكتابة. وسبق لها أن نشرت أشعاراً للفتيان بضمنها “تعالوا معي: قصائد للسفر”-2000 و “متاهتي: قصائد للفتيات”-2005. وأخيراً فرواية «سلاحف عُمان» جديرة بالترجمة إلى اللغة العربية لما فيها من مضامين مفيدة للنشء العربي.