الرقابة.. المنع وشهرة الكاتب

ثقافة 2023/04/11
...

 علي العقباني


تكادُ تسيطر على أمنيات الكثير من الكتّاب - في طريقهم لعرض منتجهم الفكريّ على مسؤولي الرقابة - الرغبة بالحكم عليه -أي المنتج - بالمنع من النشر أو العرض، لاحتوائه إحدى المحظورات – حسب لائحة الرقابة – من تلميحات جنسيَّة، دينيَّة أو سياسيَّة  أو لإثارته نعرات مذهبيَّة وطائفيَّة أو لتضمينه مغالطات تاريخيَّة وضعف لغته أو لتجريبيته العالية والتي لم يستسغها الرقيب أو غيره أو ربّما لضعف ورداءة المخطوط نفسه وعدم صلاحيته للنشر، وهذا وارد في حالات عديدة، أياً كان شكل المنع الذي سيتعرض له هذا الكتاب.

تُرى ما الذي يقبع وراء هذه الأمنيَّة؟ ما الهدف؟ وما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك، وقد حدث كثيراً عبر مسيرة الفكر والأدب عربيّاً وعالميّاً وفي عصور مختلفة.

 يتحول الكاتب ومنتجه إلى قضية شأن عامّ، وربما يصبح الكاتب المضطهد – حسب رؤيا خاصّة به وبالحدث - بطلاً قومياً وكاتباً عابراً للقارات قامت الجهات الرقابيَّة برفض مخطوطه، أو بمنع كتبه المهمة والمميّزة والاستثنائيّة عن القرّاء، وربّما لا يمكن أن يتجاوز عدد القرّاء والنسخ التي يمكن أن يبيعها مع الإهداءات طبعاً إلى مئة نسخة، في حال تمّ نشر كتابه وتوزيعه بشكل عادي ومن دون زوابع رقابيَّة، ويتحوّل هنا إلى كاتب مرموق وتسيطر عليه هالة 

الشهرة، ويصبح كتابه من الكتب المتداولة سرّاً ويباع على الأرصفة وللخاصّة، وهنا يفقد المنتج الإبداعي خصوصيّته الأدبيّة في القراءة والنقد والتعامل، وينتقل إلى دائرة أخرى.. سياسيَّة ورقابيَّة.. فضائحيَّة وكيديَّة...القراءة والتناول والتداول.. تحكمها ظروف مختلفة.

هنا لنذهب إلى أمثلة معينة ـ ولعل المثال الأبرز هنا والذي يمكن إيراده في هذا السياق، ما حصل مع الكاتب الإنكليزي من أصل هندي سلمان رشدي الذي صدرت بحق روايته الأشهر «الآيات الشيطانيَّة» فتوى تجيز قتله وتمنع روايته وأعماله عامة واضطر مؤلفها حينذاك إلى الاختباء والتخفي لسنوات طويلة، وحينها  نظر إليها كثر وتعاملوا معها على أنّها عمل أدبي رفيع المستوى، وكان معظم ذلك ربما نكاية بالفتوى وموقفاً منها وردة فعل اعتباطيَّة متسرّعة، وبيعت الرواية حينها بعشرات ملايين النسخ واحتلت مكانة أهمّ وأكبر على حساب روايات أخرى للكاتب نفسه ربّما تفوقها قوّة وإبداعاً، مثل «أطفال منتصف الليل» و «العار».

لكن وبعد مرور سنوات على الفتوى والمنع وبعد انتهاء صلاحيَّة الهالة المصاحبة لهذا المنتج لسبب ما وذهاب لمعان تلك الفتوى، بدأ الكاتب يظهر للعلن هنا وهناك ويسافر ويتنقل وينشر روايات جديدة، بدا وكأنّه سعيداً بما حصل لتلك الرواية وللشهرة التي ولدها قرار المنع والملاحقة في العالم وعادت روايات أخرى للكاتب تتصدر المشهد الثقافي وعادت «الآيات الشيطانية» لتُقرَأ من جديد، لكن هذه المرة بعين أخرى وطريقة تناول نقديّ مختلف تماماً. يكاد ما أوردناه سابقاً أن يكون مصير العدد الأكبر من الكتب التي يحدث وأن يصدر بحقها قراراً يمنع نشرها وتداولها، إذ تصبح في تلك الحالة حديث الناس ومثار اهتمامهم، تملأ مواقع التواصل وشبكة الإنترنت، ولكن لاحقاً حين يزول هذا كله يستعيد العمل الذي كان محظوراً أهميته العادية ويزول سحره، بل غالباً ما يُنسى بالمقارنة بأعمال أخرى لمبدعه نفسه.

 الرقابة المحليَّة والعربيَّة والجهات الوصائيَّة على الإبداع والتي لي كما لكم موقف أخلاقي وإنساني وإبداعي منها، أو حتى آليات النشر لدينا شأن آخر ذو شجون لا سيّما ما يخصّ المنع والتعامل مع الإنتاج الفكريّ أيّاً كان نوعه أو جنسه.